إنَّ الاعمال المسرحية اليونانية القديمة التي نظّر لها الفيلسوف اليوناني(أرسطو طاليس) في كتابه (فن الشعر) والذي دوّن فيه أهم الخصائص المسرحية الخاصة بالمأساة والملهاة وغيرها من فنون الشعر ، إذ كان” لليونان ادب عال تأثر به الرومان وقلدوه، وعرف أدب هاتين الأمتين- فيما بعد – بالقديم والكلاسيكي وتنكرت القرون المتوسطة بقيادة الكنيسة لهذا الأدب لأنه يقوم على الوثنية .ولكنها لم توجد البديل والتزمت اللغة اللاتينية وهي لغة (غريبة) عن اللهجات المحلية ولا يعرفها الا القلة المثقفون ثم انها – أي الكنيسة – وقد بدأت تؤلف المسرحيات ,لم يكن لمؤلفاتها حظ من الإبداع وسعة المدى “(1) التي حصلت عليها المسرحيات اليونانية و ركزت هذا المفهوم لقوتها اللغوية وجزالتها الشعرية وإبداعها في ابتكار فن جديد اصبح من الفنون التي اهتمت بها الأمم الأخرى “ومن جراء تطور هذه الدعوة وسيرها المستمر إن ساد في( فرنسا ) , في القرن السابع عشر ,عصر لويس الرابع عشر أدب جديد قياسا الى الأدب القديم (اليوناني-الروماني)عرف فيما بعد بالأدب الكلاسيكي الجديد ثم اختصرت كلمة (الجديد) وعرف بالأدب الكلاسيكي كأنه صار أهلا للدراسة كما كان الكلاسيكي الاول وعرف المذهب الذي يقوم عليه الادب الجديد خلال القرن السابع عشر من تاريخ فرنسا الكلاسيكية classicisme “(2) لذلك فأن لفظة الكلاسيكية بشقيها القديم والجديد تطلق على المسرحية اليونانية والرومانية وكذلك على المسرحية في فرنسا في القرن السابع عشر .وهذه المسرحية في كلا الفترتين تحمل الخصائص الفنية و الاشتراطات الدرامية نفسها التي قامت عليها المسرحية عند اليونان وكما نظر لها (ارسطو) . أي أن “الكلاسيكية في صفاتها العامة تشمل انواع الادب الانساني المختلفة ولكنها في مجموع مبادئها تظهر ابرز مما تظهر في المسرحية ,وفي التراجيديا على وجه الخصوص وفي اشتراط الوحدات الثلاث(الزمان المكان والحدث)المنسوبة الى(ارسطو)”(3) .
أذن ، ماذا يتناول كتاب(فن الشعر) لمؤلفه (ارسطو) وخاصة في موضوعة المسرح والكتابة المسرحية ،إذ “يعد من الأوائل الذين أهتموا بالدراما وعناصرها وكذلك يعد من الاوائل الذين اشاروا الى المحاكاة لأنها أمر فطري موجود عند الناس منذ الصغر ,والإنسان يفترق عن سائر الإحياء بأنه أكثرها محاكاة وانه يتعلم بطريقة المحاكاة ” (4) التي تظهر صورته أمام المشاهد ، هذه العملية التعليمية وما تشير إليه من متغيرات توضح تشكلاته في الحياة الاجتماعية ,نتيجة لهذه الصور المقدمة إمام المتلقين له . لذلك فأن الشخصية التي تتكون نتيجة هذه المحاكاة ويستفيد منها الإنسان في الواقع من الممكن أن توظف في الشخصيات الدرامية إذا أراد المؤلف أن يحاكيها ويقدمها بوصفها تمثل واقعا ملموسا له دوره في انتاج ثقافة معينة ,لذلك فأن المحاكاة عند اليونان أسهمت في تطوير الفنون ومن ضمنها المسرح , الذي انتج الشخصيات الدرامية اليونانية بمختلف مسمياتها (المأساوية أو الكوميدية) ، ومن هما فأن (أرسطو) يشير الى هذه الخاصية بقوله” لما كان المحاكون انما يحاكوه أفعالاً ,اصحابها هم بالضرورة أما اخيار ،أو اشرار لأن اختلاف الاخلاق يكاد ينحصر في هاتين الطبقتين إذ تختلف أخلاق الناس جميعا بالرذيلة والفضيلة فأن الشعراء يحاكون أما من هم افضل منا ,أو أسوأ ,أو مساوون لنا ,شأنهم شأن الرسامين “(5) الذين يقدّمون صورةٍ من محاكاة نماذج من الحياة العامة تقع في هذه المستويات الثلاثة التي اشار إليها أرسطو وهي الأعلى ،أو الأدنى ، أو المتساوي يحاكيه من صور الشخصيات الانسانية التي انطلقت في القرنين(الخامس والرابع قبل الميلاد)بمجموعة من الأعمال المسرحية لعدد من كتاب المسرح الاغريقي والذين تطورت على أيديهم، فالدراما ” اليونانية كما نعرفها والتي تطورت حديثا نسبيا ظهرت بعد أن كان لدى اليونان تراث ممتد وثري من الشعر الملحمي والغنائي وغيره من الشعر غير الدرامي ، كانت الدراما جوهرياً أبداعاً لأثينا الكلاسيكية ، كان كل كتاب المسرح الذين اعتبرت أعمالهم من الكلاسيكيات لاحقا نشيطين في أثينا في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد (زمن الديمقراطية الأثينية) ويعود تاريخ كل المسرحيات عبر الزمن إلى تلك الفترة”(6) التي جسدت صورة الانسان في المسرح الاغريقي ومن بينها مسرحيات الثلاثي (اسخيلوس وسوفوكلس ويوربيدس).
إنَّ ما يميز المسرح الاغريقي درامياً أن موضوعاته قد تناولت حكايات متنوعة ومتغيرة عن بعضها البعض ومختلفة من كاتب الى أخر ,حسب اعتقاداته ورؤيته لطبيعة تكوين الصورة الدرامية في هذه المسرحيات , لذلك فقد تميزت المسرحية اليونانية بالاتي:-
1- إنّ المسرحية اليونانية تعود نشأتها وجذورها الى المجال الديني الطقسي المستمد من العبادات اليونانية القديمة وهي قائمة على المحاكاة وهي المصدر الرئيس والخاصية ذات التركيز على الأفعال النبيلة التامة المستمدة بعضها من هذه الجذور الدينية ودورها في بلورة الحدث الدرامي التي شكلت بدورها صورة البطلة في النص المسرحي الاغريقي .
2- إنَّ المسرحية اليونانية ذات أثر وعظي وتأثير توضح أهمية الجانب الطقسي الديني أمام مصير الانسان والصراع المتبادل على الظهور في صورة الصراع الدرامي في المسرح الاغريقي.
3- تميزت المسرحية اليونانية بالتركيز على عنصر التطهير من أجل خلق جو من الترتيب والحضور بعيداً عن مشاهد الدماء أمام الجمهور لإيصال صورة من مصير البطل الدرامي ،وأن الشخصية الدرامية فيها دائما مسيرها نحو مصيرها وبفعل القدرية .
4- تميزت المسرحية اليونانية بان الشخصية الدرامية المقدمة تدور في فلك نظام من الأخلاق والتي عدها (أرسطو)شرطا أساسيا في الكتابة الدرامية ,وتقدم بأسلوب الشعر (7).
هذه الميزات في المسرح الاغريقي ساعدت على إيجاد صيغ درامية تقدم من خلالها الشخصية في موضوعات تهتم بجانب بناء صورة الانسان في المسرحية وكيفية كلن الظهور الدرامي في المسرح عند اليونان ,ولكن هل ان الصورة تأتي بشكل واحد بين صورتي(الانسان) بجنسيه الرجل والمرأة عند( ارسطو ) في كتابه (فن الشعر)؟ أم أن( أرسطو ) يعطي هذه الصفة فقط للرجل على حساب المرأة في مجال الفن الدرامي الاغريقي من خلال بداً من الاخلاق التي تحكم تصرفات الشخصية الدرامية في مآسي اليونان وإنّ “الاخلاق عند (أرسطو) تختلف عند الرجل وعند المرأة وفي الصغير والكبير ثم من الاخلاق ما هو فطري وما هو مكتسب ونزوع الشخص إلى خصائص بعينها يصبح طابعاً يميزه عن غيره من شخصيات المسرحية ,ويجب أن تتوافر في شخصية البطل أربع سمات أهمها النبل الذي يجعلنا نرثى له ونعجب به ثم أنسجام صفاته المكتسبة مع خلقه الفطري ,والتشابه بينه وبين ما ترويه المأساة عنه ,ثم التمسك والاصرار، وبنصح (أرسطو )مؤلفي المآسي بأن لا يقعوا في تصوير العواطف”(8),ان الاختلاف الذي ينبه إليه (ارسطو ) بين الرجل والمرأة في الاخلاق والدور الذي يقومان به بحسب النص الدرامي وهو يرجع هذا الى الخطأ الذي تمارسه المرأة في تشكيل العقدة المسرحية.
وهذا الخطأ في شخصية البطلة أو البطل ,هو جاء نتيجة فهم (أرسطو) لأحداث المآسي اليونانية التي قد يكون الدور المسرحي في النص المأخوذ في موضوعاته في بعض الاساطير اليونانية ، و”ارسطو يقول :أن هذا البطل ينتقل من السعادة الى الشقاء .. ويقول: أن هذا الانتقال لا يكون سببه أن البطل شرير أو سيء الخلق ,لأنه لو كان كذلك لما اثار فينا مشاعر الرأفة به والعطف عليه ,وكذلك يجب ان لا يكون الانتقال من السعادة الى الشقاوة من حظ الشخص الطيب الخالي من النقص ,لأن هذا لو حدث لا يثير فينا إلا الاحساس بالدهشة ,وأرسطو يرى أن بطل المأساة لابد أن يكون وسطاً بين هاتين الحالتين ,فيكون فيه جانب الخير وجانب الشر ,وهو الذي يجلب على نفسه الشقاوة بخطته وسوء احكامه “(9) وهذا ما استقاه من قراءته لدراما الاغريق في مسرحيات مثل الثلاثية الاورستية وشخصية الانسانية للمرأة التي تمثلت بدور حملت معه بسوء سلوكها وتصرفاتها .مما تمثلت بدراما اغريقية تبين دورها وافعالها التي رفضتها فلسفة ( أرسطو) عن أن المرأة حسب رأي (أرسطو) ليس لها الحق في القيادة أو تقرير مصيرها حتى وأن كانت صائبة في رأيها .إنَّ المسرحية الاغريقية قسمها ارسطو إلى عدّة عناصر وهي ” الحبكة ,والشخصية, واللغة الفكرة ,والمرئيات المسرحية ,الغناء، وتشكل هذه العناصر في مجموعها وحدة متكاملة لا تكاد تنفك عن بعضها البعض فلا وجود لاحد بمعزل عن الاخر (…) والشخصية أو الأخلاق التي تدل على الجانب الأخلاقي الذي يصدر عن الشخصية ويحدد نوع إرادتها ومقدراتها الفعلية “(10) في تطبيق هذه الأفعال في العمل الدرامي .
وتعد الشخصية هي الصورة الدرامية التي توضح جانب تشكلات في الدور الإنساني التي تبرزها الأفعال التي تقوم بها الشخصية المسرحية على مستوى النص المسرحي عند الإغريق، وبيّن ارسطو من خلال كتابه فن الشعر هذه التشكلات الانسانية في فقرة الأخلاق ويقول أن العادات التي هي جزء من الأخلاق فإنها تأتي على أربعة تصورات :-“
1. إنَّ تكون العادات تؤثر بالفعل الدرامي في الاعتقاد أي تكون حال كل واحد من هذه العادات .
2. ذلك الذي يصلح وأن العادة التي هي للرجل قد توجد إلا أنها لا تصلح للمرأة ولا أيضاً أن ترى فيها البتة .
3. الشبيه بذلك :أن الذي له العادة غير ذلك الذي له عادة جيدة إن كان يصلح أن يفعل أيضا كما تقدم فقيل.
4. وأما الرابعة فذاك المتساوي وذلك أنه كان أنسان مما يأتي التشبيه والمحاكاة سادياً”(11) .
إنّ هذه العادات التي يرى فيها (أرسطو)أربع مسارات تعطي الصورة الملائمة للشخصية الدرامية وهي التي تقوم على تحديد معين للأخلاق والصفات التي تنطبق على جنس دون آخر كما في النقطة الثانية التي يميز بها بين الجنسين . حتى وأن كانت داخلة ضمن صفات الدور الذي تمارسه النساء في حال أقدمت المرأة على ممارسة هذا الدور .
الهوامش
1. علي جواد الطاهر ,الخلاصة في مذاهب الادب العربي، ط1, بيروت: دار الرائد العربي, 1984, ص 13.
2. نفسه ، ص 14.
3. نفسه , ص 16.
4. جبار عودة العبيدي ,ود. صلاح مهدي القصب ,مدخل في الدراما وتدرجها التاريخي , صنعاء :دار الفتح للنشر والتوزيع , 1992, ص 6 .
5. ارسطو طاليس ,فن الشعر , ترجمة: عبد الرحمن بدوي , بيروت: دار الثقافة , 1973، ص7,ص8.
6. مارتن بانم ,موسوعة المسرح, المجلد الثالث، ترجمة : محمود كامل , علي الغفاري ,القاهرة : المركز القومي للترجمة , 2018,ص247.
7. ينظر : د. جبار عودة العبيدي, ود. صلاح مهدي القصب ,مصدر سابق ,ص14-15.
8. دريني خشبة ,اشهر المذاهب المسرحية , القاهرة :وزارة الثقافة والارشاد القومي ,الادارة العامة للثقافة ,ب, ت , ص 6.
9. نفسه ,ص 8.
10. باسم الهاشمي ,الخصائص التأليفية في الدراما , دمشق :افكار للدراسات والنشر والتوزيع ، البصرة : دار الفنون والآداب ,2018,ص19,ص20.
11. ارسطو طاليس ,مصدر سابق ,ص 115.