من منا لا يريد أن يكون مكان عمله متميز في تقديم الأفضل على مستوى ما أريد من هذه المؤسسة ،أو المصنع ،أو الدائرة ،أو المديرية ، أو الوزارة .. سادتي الأفاضل في كل مكان ما زال الوطن بعيد عن النهضة الحقيقية والتقدم الواعي والحركة التصحيحية التي يجب أن نفكر كيف نحييها .. هل الوطن محتاج الى كفاءات ؟،أم الوطن محتاج الى خبرات ؟، أم الوطن محتاج الى ما هو أكبر من هذه التفاصيل الجزئية التي قد تتوفر ،لكن لا توظف بطريقة ناجحة في أي من مؤسساتنا في دولتنا الحديثة؟.
على مستوى النقد نجد العديد من الاشخاص وظيفته الوحيدة فقط النقد دون أيجاد بدائل أو وضع حاول ومقترحات سليمة ويقدمها في المكان السليم ،أو يضع يده على الاخفاقات المستمرة في المكان المحدد حتى تصبح العملية أكثر فعالية في مجال النقد البناء القائم على اظهار ما هو خطأ في أي مكان يعتقد في الخطأ موجود .
لكننا لابد أن نحدد ما هو المطلوب في الوقت الراهن للنهوض بالوطن ومؤسساته؟ ، وما هي اليات النهوض في هذا البلد الذي يفيض خيرات ولا نجد من يوظفها بطريقة سليمة ، فهنا أقول لا توظف بطريقة سليمة يعني أن الواقع خير دليل على تراجع البلد في أغلب المستويات ، وهناك أكثر من صورة مرعبة لهذا التراجع , ومنها :
أولاً:- على مستوى الواقع الصحي تشترك العديد من الوزارات في هذا القطاع المهم ومنها : الصحة والبيئة والمالية وتعليم العالي والتخطيط وغيرها من الوزارات المؤسسات والمراكز ، ولكن ما نشاهده اليوم من نقص حاد في مؤسساتنا الطبية على مستوى الأيدي العاملة من أطباء وممرضين ومخدرين وصيادلة . فهل التعليم العالي لم تخرج أطباء وممرضين؟ ، أم الصحة لم توفر ما يكفي من الدورات والخبرات اللازمة لهم ؟، أم وزارة التخطيط لم ترصد اماكن الخلل لوضع خطط واضحة للمعالجة . واذا كانت هذه الوزارات عملت على توفير كل ذلك ، فلماذا ابسط الحالات الوبائية نلجأ الى دول الجوار من أجل تحديدها ؟ وأين مراكزنا البحثية في الوزارات كالبيئة والتعليم وغيرها ؟ . ولماذا مرضنا وعملتنا الصعبة تذهب الى دول أخرى مثل لبنان والاردن وسوريا والهند وايران وتركيا من أجل العلاج ؟ وأسئلة أخرى في هذا المجال وغيره.
ثانياً:- على مستوى الواقع الغذائي العراقي الذي تشترك فيه وزارات عدة منها الزراعة والمالية والبيئة والتعليم والتخطيط والصناعة وغيرها ، إذ لدينا أكثر من عشرين كلية زراعة وطب بيطري ، لكن ابسط انواع الاغذية نستوردها من دول الجوار ابتداءً من الطماطم وأنتهاءً بكل انواع اللحوم والاجبان وغيرها ، هل هذه العملة الصعبة التي تذهب الى دول الجوار اليس الوطن وأبناءه أحق بها من غيرهم كي توظف لتطوير الواقع الزراعي ومؤسساتنا الزراعية والبحثية في هذا المجال ونحن أرض السواد كما يقال سابقاُ.
ثالثاً:- على المستوى التعليمي في وزارتي التعليم العالي والتربية ، ما أكثر الكليات والجامعات والمدارس وما أكثر من تخرج منهم ، ولكن لم يوظف ، وقبلها لم يتعلم بطريقة جيدة ، لذلك أن اغلب مؤسساتنا التعليمية خارج التصنيف الدولي ، وأغلب مؤسساتنا البحثية بعيدة عن المجتمع ، بل وأغلبها بحاجة الى اعادة تأهيل من حيث المباني والمراكز البحثية وغيرها . بل التساؤل المهم كم هي عدد القضايا والمشاكل التي تخص المجتمع قد حلت من قبل مؤسساتنا البحثية ،وكذلك على مستوى التعليم الابتدائي والثانوي ، والمناهج البعيدة عن مستويات التعلم لدى التلاميذ والطلبة ، فمن يضع هذه المناهج بأخطائها ، لم لا يفكر في كيفية توفير الطرائق الملائمة لتدريسها وأبعاد العائلة العراقية من اعباء الدروس الخصوصية التي أصبحت تدار بالعلن امام انظار وزارة التربية وغيرها ، والسؤال المهم هنا هل توجد علاقة بين الدروس الخصوصية وتصعيب المناهج المبهمة أصلا في هذه الوزارة ومن المسؤول عن هذه العلاقة التي أصبحت واضحة للعلن يا سادة .
أن هذه العينة من مشكلات الوطن ومحنته الحالية هي ليست النهائية ، بل هي جزء بسيط من مشكلات أخرى ، مثل مشكلات العشوائيات وأزمات السكن والأمن والمخدرات وتجاوز على ممتلكات الدولة ومؤسساتها ابتداءً من ارصفة الشوارع وأنتهاءً بالمباني الحكومية وغيرها التي يعلمها اصحاب الشأن .
لكن ما هو الحل لهذه القضايا وغيرها في هذه المرحلة حتى لا يضيع الوطن ، يجب أن نضع ايدينا على الجرح ، فالكل مسؤول ليس فقط الحكومات ، حتى المواطن الذي في اغلب الاحيان تبرع بحقوقه وسكت ولم يقم بواجبه تجاه وطنه .
علينا يا سادة الآتي وهي أفكار عامة ليست بحلول نهائية ، فالحلول النهائية بحاجة الى تطبيقات عملية على ارض الواقع ، لذلك يجب ان نضع افكاراً عامة في هذا الاطار وهي :
أولاً: المواطن هو أهم ثروة للوطن وهو الاعلى مكانة فيها ، فكل شيء يشرع لخدمته ، فالدين لخدمة الأنسان والقانون لخدمة الانسان ، والدولة لخدمة الانسان ، ولا يحق لأحد كان أو سلطة كان ، ان يتجاوز هذا الحد .
ثانياً: أن نحدد القطاعات المهمة التي تضمن لنا الاكتفاء الذاتي وأن نعمل عليها ومنها الزراعة والصناعة والقطاع النفطي وغيرها من المؤسسات الداخلة في هذا المجال التي تضمن لنا ثرواتنا وكيفية توزيعها بشكل عادل على أفراد المجتمع .
ثالثاً: أن نعيد سلطة الدولة على كافة المؤسسات ولا استثناء لمؤسسة من سلطة الدولة ، على أن نوضح ماهية هذه السلطة التي هي فوق الجميع بقوانينها ولا لأحد استثناء في ذلك ، مهما كان موقعه ودرجته في هذه الدولة .
رابعاً: ان لا نجزأ الوطن ولا نجعل لبعض مؤسساته الدينية والاجتماعية والعشائرية سلطات داخلية تتعارض مع هذه السلطة ، بل القانون هو لخدمة الكل والدولة هي للكل وليس للجزء ممن وضع له امتيازات خاصة ، حتى نحقق دولة للفقراء فيها حصة وللأغنياء فيها حصة ايضاً ، والمفاضلة هنا هو للهوية وليس للدين أو القومية أو غيرها من المناطقية.
خامساً: أن نبتعد عن التفكير بما هو غير مجدي في هذه الفترة ، ونضع خطط قصيرة المدى لكل مفصل من مفاصل الدولة من أجل التصحيح ، مثلاً أن نجعل من محافظاتنا منتجه بحسب ما تمتلكه كل محافظة من ثروة ، مثلا البصرة صاحبة القطاع النفطي يجب ان يتطور هذا القطاع لصالح المحافظة والعراق وليس لصالح الكل مقابل ابعاد الجزء من حقوقه . أو محافظة ميسان تطوير الواقع الزراع بما يتلاءم مع المساحات الزراعية فيها ، أو ديالى وما تمتلكه من ثروات وغيرها من المحافظات ولا ننسى الثروات الاخرى التي هي اقل درجة في هذه المحافظات ، ومثال أخر مثلا أن نجعل جامعاتنا تخصصية أي أن تكون هناك جامعات طبية ,اخرى هندسية ,اخرى تربوية إنسانية ,اخرى مختصة في مجال القانون والسياسة والشريعة ,ان نعيد توزيع الكوادر التدريسية في هذا المجال على كافة مؤسسات التعليم ، مع وضع استراتيجية لاستقلالية هذه المؤسسات عن كل ما هو خارج سياق التسطيح في المعرفة واختيارات الافضل كما في النظم العالمية .
سادساً: كل الطوائف والاديان والاعراق لها الحق في هذا الوطن ، ولكن للوطن حق في هذه الاديان والاعراق ، أي الكل يذوب لصالح الوطن ، ولكنها تعيش بكرامة وحرية فيه ، ومن يثبت انتمائه لغير والوطن لا يكون جزءً منه ولا منتمي اليه مهما يكن دينه وطائفته.
سابعاً: لا أحد يبني ثروة على حساب الوطن ، والكل يخضع لقانون الوطن والمواطنة ، فرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء والوزراء والنواب وغيرهم لابد ان يكوموا قدوة في النزاهة والتحضر والانسانية ، وأن يلتزم بأبسط قواعد السلوك الوظيفي ، بل يجب أن يحترم ابسط قواعد المرور ولا يتجاوز على الناس بسلطته عليهم ، فالسلطة لم تخوله بالتعالي والتكبر والسرقة من أموال الشعب ، بل يضع كل شيء في خدمة المواطن وليس العكس .
هذه أفكار قد نحلم بها ، أو نفكر بها بصوت منخفض ،أو عال ، لكن لابد أن نقولها علناً حتى نستطيع أن نسهم بقول كلمة لصالح الوطن في واقعنا المرير الذي أصبح فيه الوطن هو أخر همنا والمصالح الخاصة هي أول شغلنا الشاغل يا سادة.