اقتباسات من كتاب التاريخ والهوية الجمالية للأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي

في مقال في موقع قوتاما عن هوية الجمال الحديثة من خلال عرائس البراتز يتناول الكاتب الموضوع من خلال لاستشهاد بأحد مؤلفاتي ودراساتي عن مفهوم الجمال من خلال طرحه للهوية الجمالية ومفهوم الجمال الذي تناولته في كتاب التاريخ والهوية الجمالية.

عنوان هذه المقالة كان مصدر إلهامه تغريدة لعائشة. عائشة صديقة عزيزة كتبت يومًا شيئًا عابرًا عن الدُمى، عرائس يبدو لي أنها ألهمتني فوجدتُ نفسي أكتب هذا النص بعد انقطاع.

نص المقال

تُذكرني تجربة الجمال الحديثة في عيادات التجميل وصورها التي تظهر في كل مكان بالـ «بالبراتز دول» أو «عروسة براتز» التي أكاد أجزم أنها معروفة لكل فتيات التسعينات حتى بداية الألفية، تُشبه «باربي» بغرابة ملامح وجهها الذي يحمل ملامح الثورة الجديدة في تلك الحقبة، حواجب مرسومة بدقة كثيفة، بشرة برونزية وشعر أحمر أو بشرة داكنة بدرجات مختلفة مع شعر أشقر وعيون زرقاء، والعلامة الفارقة «شفاه ممتلئة» وبلا شك لا تبدو كشفاه ممتلئة حقيقية، إنما منتفخة بفعلٍ ما، هوية مختلقة، شكل مختلق، وصورة غريبة عن المعتاد لفكرة الدمية. «فما حكاية البراتز، ولمَ تشبه هوية الجمال الحديث؟»

«البراتز» كشكل أو ملبس أو فكرة أو انتشار هي ثقافة تشكلت لتعبر عن ثورة أو محاولة للاحتجاج، تمرد حاول جيل ما اختراعه؛ ليتحول بشكلٍ أو بآخر لهوية مستحدثة لملامح أصبحت مقبولة على وجه بشري وكأنها واقع. 

تاريخ أم محاولة لاختراع هوية ألعاب واقعية 

لا يتعدى تاريخ «البراتز» عمر الثانية والعشرين، فهي دمية بدأت تتشكل مشيمتها في بداية الألفية؛ لتكتمل بعدها بعام وتصدر بعد ولادتها رسميًا، مكتسبةً شعبيتها من الغرابة أو إثارة الجدل مع محاولة خلق فكرة حديثة عن اللُعبة التي تمتلكها أي طفلة.

ورغم أن موضوع الجمال ليس حكرًا على جنس النساء من دونهن أو نمطًا فكريًا نختص به دون الرجال، إلا أنها وبالرغم من محاولتها لاكتساب صورة ثورية؛ لا تزال تنمط النساء في قالب جمالي جعلت النساء حول العالم نسخًا من صور الثورة أو التمرد أو الغرابة أو الفرادة؛ لتكوين الصورة الجمالية التي تستحقها كل امرأة. 

تعد «البراتز» محاولة ثورية في عالم الألعاب إلا أنها وفي رأيي الشخصي لا تتعدى حقيقة كونها فكرة معلبة، في اسطوانة معبأة مسبقًا بتراهات سطحية، ومحاولة تلميع بوق معطل.

هذا لا يعني أن إطلاقها كان سلبيًا تمامًا، بل يحتسب لها تصادمها مع مبادئ ألعاب الباربي بنسخها التي امتازت بتاريخ طويل من الفوقية للكائن الأبيض والإنسان المتفوق على غيره من الأعراق، وهو ما لم يتغير إلا تبعًا لذات المبادئ رغم تغيير ألوان البشرة إلا أنها بقيت تتبع النمط المفضل للكائن الأبيض المتميز عرقيًا. 

أول صدور

كان أول صدور لدمى «البراتز» المُصنعة والمبتكرة من قبل شركة (MGA) للترفيه سنة (2000) وأول إطلاق فعلي في عام (2001) بأربع شخصيات رئيسية: ياسمين وكلوي وجايد وساشا، أربع فتيات بأعين واسعة، وشفاه ممتلئة لامعة، وهيئة جسدية أكثر تفصيلًا من هيئة الدمى المنتشرة في ذلك الوقت، ولن نفصل في هذا؛ نظرًا لأن تاريخ الدمى والألعاب يحتاج تفصيلاً لوحده، لكن سنتطرق عامة إلى شكل اللعبة الحديث مقارنة بما كان موجودًا بالتزامن مع خلقها وصنعها. 

أتت دمى «البراتز»  في فترة تكتسح فيها عرائس «الباربي» السوق، حيث كانت تستولي على (60٪) من منتجات السوق، باربي عروس الجمال الأمريكي، اللعبة الأكثر شهرة (Sweetheart of America) تلك الدمية النحيلة بملامحها البريئة الأنثوية وشعرها الأشقر الطويل، حتى وإن اختلفت إصداراتها لاحقًا؛ لتصدر منها نسخًا سمراء أو برونزية أو صهباء، إلا أنها كلها اتبعت في الأخير معايير الشقراء الأمريكية المحبوبة، دمية اعتبرت الخيار الأول في إهداء الهدايا للفتيات الصغيرات حول العالم، ونوعًا من البهرجة الناعمة وصورة نشر الأنوثة المُختلقة، ونمط جمالي مُعلب لا يظهر أي جنسانية ويعبر عن البراءة والحلاوة التي يبتغيها الكل كلعبة لابنته. 

انعكاس لحركة ثورية المغزى

حينما ظهرت «البراتز» بدت كدُمية منوطة بنمط جنساني وصورة جمالية مختلفة تمامًا عن النمط الظاهر في شكل الباربي، لا تتميز «البراتز» بجسد نحيل وثياب أمريكية المظهر تمامًا ولا بنمط ومعيار جمال تبتغيه صورة حُلوة وجميلة أمريكا الشقراء بساقين طويلتين، بل كانت بالفعل انعكاسًا لحركة ثورية المغزى، حيث تتضمن حرية المعايير الجمالية والجسدية التي اعتبرت مختلفة آنذاك مقارنة بالنمط المطبوع في الأذهان.

 ظهرت «البراتز» بظلال الأعين، والأزياء المميزة التي كونت صورة فريدة عن الشكل السائد للدمى والعرائس. وقد كانت الدمى من ابتكار «كارتر براينت» مصمم ملابس باربي سابقًا، دمى تشرح حالة ثورية وصفها البعض بالمفاهيم «النسوية» إلا أن ذلك وضع الكثير من الباحثين والباحثات في هذا الشأن ضمن شكوك كثيرة عن تأثيرها. رؤوس كبيرة، دمية أنيقة وقحة ولا تهتم بأي شيء، إلا أنها تصف الحالة غير المتناسقة لجيل الألفية، ونمط معيشتهم. هذه الأفكار التقدمية التي تبدو مغلفةً بمصطلحات معلبة غير مفهومة لهم؛ ويرجح أنها كانت ثورة على مفاهيم التمييز العنصري والنمط الجمالي المُدعى في السوق الأمريكي الذي كان بسهولة يلاقي ترويجًا عالميًا، حيث كان يعبر عن الجمال حول العالم بالطريقة التي يريدها، ويعلبها السوق الأمريكي حتى لأقاصي المناطق المختلفة في بنائها الجسماني وتكوينها الجيني عما يوجد في أمريكا، ورغم أننا لا نستطيع حصر الفكرة الأمريكية في قالب معين؛ نظرًا للمساحة والأعراق التي تسكن تلك البلاد كلها بوصفها إحدى القارات حتى، إلا أنها وللأسف سيَّدت نفسها كنمط حالم ورئيسي، متبع لفكرة الجمال وبروتوكولاً مصنعًا ومخلوقًا من أفكار التمييز العنصري لعرق واحد.

تتبع النمط

قبل تتبع النمط، قرأت في مقالة سابقة لأحد مدونات الألعاب: «ما يستحق التساؤل هو كيف تحول المصطلح المشتهر عن البراتز “باربي الوقحة” إلى أيقونة عصرية رقمية عن المفاهيم المعاصرة والثورة ضد النمط السائد الذي يمتاز بفصل عنصري تبعًا لصفات معينة». وصف «براينت» عرائسه بأنهن: «فتيات ذات شغف عميق بالأزياء، فقد كانت الأزياء تمتاز بسهولتها وسلاستها وشياكتها غير المعتادة، حقائب ظهر، أحذية لامعة، وصلات وإكسسوارات وما إلى ذلك…، بل كانت لأزيائهن إلهام لخطوط صنع الملابس لاحقًا، فمثلاً: اشتهرت وصلات الشعر المعلقة بالقبعات مع انتشار قبعة (Jade) ذات الخصل.» 

وقد امتلكت كل دمية في علبتها من الخلف إرشادات عن طريقة لبسها وإظهار ذلك الملبس في انطباعات شخصية، مثل: الاسم. حيث تضمن بعض الأفكار، نحو:

 My friends call me Kool kat cuz I love Cat and I am cool.  

أو 

Bunny Boo cuz I love hip-hop thangs.  

امتازت «البراتز» بأسمائهن إضافةً إلى نمط الأزياء المتبع؛ فإحداهن شغوفة بالأزياء البوهيمية، مثل: ياسمين دميتي التي أحضرها لي والدي، وأخرى تتبع نمط طبعات الحيوانات؛ فكل واحدة منهن متفردة ومتطبعة بشخصية ما قد نجدها داخل الفتيات من حولنا، بعيدًا عن الأفكار المتبعة مجتمعيًا أو بعيدًا عن الذوق العام السائد.

فهي تمتلك شخصية، وتفضيلات، وذوقًا خاصًا ونمطًا للأزياء وهوايات وموسيقا مفضلة وحيوانات أليفة ونمط مكياج مميز ما يجعلها واقعية، فهي لا تتشابه ولا تتبع شخصية وحيدة قُرِرَت مسبقًا؛ ليتبعها الجميع، فهي تعكس فكرة التركيز بالشخصية رغم اختلافها وغرابتها، حتى إن لم تتبع أسسًا نظامية صنعها مَن سبق. فتصميمها ليس تابعًا لفكرة محددة مسبقًا، بل هي مستحدثة؛ لتعيش نفسها وتعبر عن شخصيات مستلهمة. 

وأشير لفكرة الشخصيات المستلهمة هنا وهي ما تحول لاحقًا لمفهوم الثورة وذلك؛ لأن الرئيس التنفيذي «إيزاك لارين» وصفها بداية ب «الدمى القبيحة» إلا أن رأي ابنته «جاسمين» البالغة (11) عامًا كان مختلفًا تمامًا عندما وصفتها ببساطة وعفوية ب «أنها ظريفة». كانت «جاسمين» هي إلهام «كارتر براينت»؛ ليصمم دمية «ياسمين» لاحقًا ويحولها لفكرة مبتكرة ترمز للاختلاف.

فهل كانت «البراتز» معيارًا لحقبة جديدة؟ أم هي انعكاس انجراف نحو انحراف عن المعيار الثقافي السائد؟ 

لا يصعب تتبع انطباعات وتأثير دمى «البراتز» في العصر الحديث أبدًا، حيث يمكننا بتتبع «نستلوجيا» الإنستغرام الظاهرة في الحسابات أن نجد نفحات من تكرار «البراتز» في حسابات المؤثرين والمشاهير، مثل: كاردي بي، ميغان ستاليون. أما على الصعيد العربي فأقلق من ذكر الأسماء؛ حتى لا أُوصَم بالتشهير، لكني أكاد أجزم بأن الرجوع لعدة حسابات من حسابات المؤثرين عبر قنوات التواصل الاجتماعي سيجمع عدة أسماء في عقولنا، نستطيع من خلال تحليل بديهي أن نعرف بأن مَن يقود معايير الجمال الحالية هن من جيل استطاع اكتساب دمى «البراتز»، أو لم يستنكروا يومًا طريقتها في الظهور. ولا أختلف مع مبدأ ظهورها، كما ذكرت سلفًا، رغم انسياق الهوية الجمالية فيها بشكل معلب لاحقًا إلا أنها صورت ورسمت اتجاهًا مختلفًا في عالم الألعاب؛ بظهورها الفريد المتشابه مع فروقات البشر ومحاولة تطبيع الأنسنة فيها من خلال وضع شخصية واقعية لكل دمية تُشعرنا بأنها تتحدث معنا. 

إن انحراف هذه الدمى عن المعيار الثقافي لمحبوبة أمريكا هو «الجاذبية» كما ذكر «كانتوس»، وأرى أن إثارة الجدل قادرة على منح كل فكرة دويًا وصوتًا ومحاولة لبناء سياق ثقافي جديد ورأي معاصر، وهو ما حدث في حالة «البراتز»، وأذكر في إحدى القراءات الفلسفية التي لا أذكر لها كاتبًا: «المعكوس يضفي الجاذبية». وأظنه من تحليل أن ذلك يرجع لأساس أن أي انعكاس هو رغبة باطنة قد لا تظهر جليًا في الإنسان أو مبادئه الثقافية. 

فنحن ننجذب للمتضادات؛ لأننا نجد فيها عنصرًا خفيًا من التميز لا نفهمه مباشرة، بل نستنكره على أنفسنا، إلا أن طاقة ما تجذبنا نحوه تعبِّر ببساطة عن مكون إنساني يفتقده الواحد منا داخل نفسه. 

فهل كانت «البراتز» خبايا لأفكار لم يستطِع مصممها الحديث عنها مباشرة؟ أو مقولة ثورية صُممت على شكل دمية تأنسنت بفعل الفِكر والشخصية وهي مكونات تعطي صفة بشرية وطابعًا إنسانيًا. 

والحقيقة أن التعمق في سياق الدمية هو تحقيق تاريخي معقد في علوم إنسانية مختلفة، لا نستغني عن التفكير بها، إلا أننا لا نستطيع تفصيلها تمامًا؛ فالدمية مكون مهم يتجذر في حياة العديدات، بل في إحدى أكثر المراحل حساسية لشخصية كل فتاة.

الدمية من مكونات العولمة

فدمية «ياسمين» خاصتي قد جلبها لي والدي حين ذهب للحج، عندما كنت أبلغ من العمر عشر سنوات، وكانت هدية مقدرة، فالعولمة نقلت «البراتز» من أقصى الأرض إلى مكة، حيث اشتراها حاج مثل والدي لابنته أيضًا وتناقلت فكرة غرائبية، بل ورسمت خطوطًا واستفهامات عدة! فهي لا تشبه «باربي»، وليست النسخة المُعربة منها «فلة» أو النمطية العربية لدمية متجذرة المنشأ للإنسان المتميز الأبيض، لم تشبه حتى «فلة» أي فتاة عربية قد أقابلها، فهي «باربي» لكن بحجاب فوق رأسها.

لا اختلاف البتة، سوى بتغيير اسمها لاسم عربي

قد نتساءل لو أن الأهالي عبَّروا عن أسفهم اتجاه «فلة»؛ لكان السياق الثقافي مختلفًا. كان من الممكن أن نمتلك دُمًى تمتلك سحنة شمس بشعرٍ أجعدٍ أو أسود أو أحمر كلون الحناء، مما يميز الجزيرة العربية؛ أعين واسعة بنية أو سوداء وأوصافًا معبرة عن الصحراء والبادية أو الجبال أو التنوع العرقي في الشرق الأوسط على أقل تقدير. 

إلا أن فلة لا تشبه شيئًا من المنطقة التي عشنا بها. وأصرح بهذا لواقع كفتاة من عرق مختلف عاشت في منطقة عربية جدًا.

امتلكتُ إحدى عرائس «البراتز» التي لا أزال أحتفظ بها؛ لأنها كانت أشبه بمفهوم الاختلاف لا الجمال؛ ولأنها متميزة لا لأنها جميلة بشكل خارق أو مفصلة بمثالية، بل لأنها تمتلك صفة أقرب للبشرية وهي الشخصية والقدرة على أن تكون في مكان خاطئ أو التصرف بطريقة غير صائبة دون عبء الخوف من الظهور بمظهر مثالي وممتاز.

إلا أن ما يحدث الآن هو انعكاس لخواء وخوف من الظهور بمنظر غير مثالي. فما قاد الدمى نحو التغيير تغير؛ ليصبح تغييرًا نحو نمط هوية جمالية خالصة، ليصبح تأثيرًا على الهوية الجمالية.

الهوية

ولا نستطيع تحديد معنى أو مفهوم «الهوية الجمالية» أو «هوية الجمال»؛ لأن تعريفات الهوية تستخدم «لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فردانيته وعلاقته مع الجماعة، وقد تأتي تلك العلاقة لقواسم مشتركة أو خبرات متبادلة أو أراء متشابهة أو سياسات متبعة» إلا أنها مفهوم شبه مائع التغير؛ نظرًا لأن هوية الفرد لا تستطيع الثبات في عالم من المتغيرات السريعة، ويصعب أكثر تحديد مصدر «هوية الجمال» إن لم نمتلك مفهومًا راسخًا عن الجمال نفسه، فليس من السهل وصف شيء بالجميل من عدمه في عصر يتبع نمطية معينة حتى في حرية التعبير، بل يصعب أكثر تحديد هوية جمالية حين نفتقد رسوخ هوية معينة نستطيع من خلالها وصف ما نجده جميلاً من عدمه؛ فالهوية قيمة والقيمة فكرة ومبدأ وهي ما يرسخ مفهومًا لدى جماعة أو فرد؛ ليمتلك منظارًا للأمور من جهته ثم إن افتقار الشخص لها يؤدي لقصر نظر في أي مفهوم قد يرتبط بالهوية.

مفهوم الجمال

يذكر الدكتور محمد كريم الساعدي في إحدى كتاباته: «للجمال ودراسته دور في خلق الوعي» فدراسة مفهوم الجمال وحده سواء على صعيد التذوق، أو البيئة، أو الفن أو النظر أو السماع؛ يؤدي لوعي بمفهومه ومصطلحه وسياقه الذي قد يذكر فيه، ونستطيع هنا تتبع مفهوم «شارل لالو» عالم الجمال الذي يظن ويعتقد أن لترسيخ الجمال نحتاج لامتداد له، وهو ما يحصل هنا. 

أفكر في أنه لو لم تستمد «البراتز» هوية من عدم رضا شخصيات معينة وتأثرها ما خلق هوية مستمدة من شيء مُصنع لما استحدث تشوه جمالي معين عُبِر عنه لاحقًا بصورة جمالية في عصرنا الحديث.

فأجد شخصيًا أن الدمى أثرت على مفهوم الهوية لدى البعض، بينما كانت لا تزال هوياتهم تتشكل في ذات الوقت الذي قد نحتاجه على وجه التحديد؛ لدراسة مفاهيم معينة. ما أدى بهم لخلق صورة غير مكتملة الأركان من عدة نواحٍ؛ لتعبر عن مفاهيم حاولوا الوصول إليها من خلال المفهوم القاصر المتكون.  فتكونت لدينا هوية الجمال الحديث من استمداد وسياق خلق على وجه مشوه من أفكار غير مكتملة ومبادئ غير ناضجة؛ ليستمد الجمال هويته من شعور ذاتي بالنقص.

كان تتبعي لهذا النمط من الجمال موقع تساؤلي في الفترة الماضية، ما جعلني أضع استبانةً بسيطةً غير مقنعة تمامًا لنظرة الفتيات من حولي لعرائس «البراتز»، امتلأت الاستبانة بشتى الأجوبة، والمثير في الأمر أن أغلبية من شاركن كنا يصرحن بتفضيلهن لاستعمال عرائس لا تمتلك وجهًا أو دمًى قماشية كهدايا لاحقًا للأطفال، بالإضافة لتعبيرهن عن استياء شديد من الدمى التي حاولن جاهدات أن يكن مثلها، سواء لعدم تقبلهن للون بشراتهن أو طول شعرهن، أو محاولاتهن الجاهدة في أن يصبحن مثل الدمية التي اقتنينها سابقًا. 

وهو ما يدل على أن محاولة الانسلاخ من مفهوم أول قد يسبب لدينا اضطرابات لاحقة أو أفكار مقاومة أو محاولة لأن نصبح درع حماية لأجيال تلحقنا.. 

فأنا مثلاً لا أفضل أن أقتني دمية لشقيقتي، وليس ذلك لأن والدي حاول أن يجعلني أبدو كالدمية إلا أن التعرض من الميديا والإعلام ووسائل الضغط بين الأقران كانت تعتمد على استعمال مرجعية الدمية.

فكانت كل فتاة شقراء في مدرستنا «تشبه باربي» مثل العروسة، وكانت تتناقل عبارات، مثل: «كأنها باربي، لونها وردي وبيضاء، شعرها ناعم مثل شعر “فلة” بس أنا شعري كشة “كيرلي”..» وهي مرجعية من السهل أن يستعملها طفل.

وجوه المؤثرين

لكن ماذا عن النسوة؟ بالرجوع للفقرة السابقة فإن المفهوم المائع وغير المكتمل لكل المفاهيم والتعريفات الناقصة كوَّن مرجعية غير محددة الهوية والمعالم لأي منهن عما يبدو جميلاً ما أدى بهن إلى خطوط ومنحنيات رسخنها؛ ليعبرن عن رضا عن صورة ذاتية غير واقعية تشبه خيالاً مصنوعًا يُعنى بذاته إلى انحراف ثوري؛ ليعبر عن الاعتراض.

فهل أصبحت وجوه المؤثرين أداة اعتراض عن خطوط عريضة وواضحة؟ أم أن القالب المستحدث يؤدي لقبول اجتماعي؛ لأن الوجه يعبر عن الفكرة؟ 

هل نستطيع سؤال مؤثر ما حقًا إن كان وجهه أسلوب اعتراض؟ أم أننا نقع في خلاف اضطهاد الحرية الشخصية؟ 

أنوف دقيقة، شعر مهيأ بصورة متكررة، ملابس نمطية تتبع الصيحة، شفاه ممتلئة بتصنع، عينان واسعتان مسحوبتان. هل تنتهي المظهرية أو واقع أن الهويات متجانسة في سياق مصطنع لم يعد يعبر عن ثورية «البراتز» ومحاولة كونها ثورية، بل تحولها لنمط جمالي آخر مثل «باربي» تمامًا؟ 

التاريخ يعيد استنساخ نفسه

أجد أن التاريخ يُعيد استنساخ نفسه؛ فما كان يعبر عن نمط جمالي مستنكر أصبح نمطًا جماليًا محبذًا ذا قيمة، بينما غيره يرى مثل شيء شاذ. أو ضمن التعبير الآتي: «جمالها جمال قديم» أو «ذوق الشيَّاب» أو «الجمال الطبيعي اللي ما نشوف مثله»، عبارات تتكرر حينما نجد شيئًا طبيعيًا من بيئتنا. ما يعبر لنا عن التمثل غير الواضح للخطوط الواضحة التي لا بد لها أن تكون مرجعيتنا الجمالية. 

تتكاثر الأسئلة إلا أن واقع الهوية الجمالية المشابه لدمية «براتز» يملئ وسائل التواصل من حولنا وأغرب محاكاة وقعت فيها شخصيًا، هي المحاكاة نهاية عام 2019م، حيث انتشر تحدي (BRATZ DOLL MAKEUP CHALLENG) عبر وسائل التواصل لمحاكاة أسلوب التبرج وزينة دمى «البراتز» كنوع من الظهور «النستلوجي» والحنين إلى الذكريات، إلا أننا أغفلنا أن الواقع يعيش حالة من استنساخ الدمى البلاستيكية نحو الوجوه البشرية.. 

فهل كان الحنين نوعًا من الصراخ على المعايير الجمالية؟ أم كانت ناقوس خطر يحذرنا من الدمى البشرية القادمة من حولنا وضياعنا في ملامح مستنسخة من أفكار ستصبح متشابهة لا فرق بينها؛ نظرًا لنقلها لقياسات محددة وأفكار مكررة.

في النهاية، لست باحثة معنية بمجال اجتماعي كما ذكرت، إلا أني باحثة عن المعنى علانية. أفكر بصوت عالٍ وأفكاري تحب الصراخ. لم أستعمل كامل الأجوبة إلا أني شاكرة لكل فتاة كانت مصدر إلهام، وخالص مودتي هنا لوالدي الذي أحرجني تجاه نفسي عندما أخبرني «بأني في منطقة الراحة». ولكل الأصدقاء الذين ظلوا مؤمنين بقدرتي على الكتابة. شكرًا لعائشة، شكرًا لنجد، شكرًا لريف. شكرًا موصولة لإبراهيم الكلثم على إيمانه بأن الكتابة قادمة لا محالة حتى وإن تأخرت خطواتها، وشكرًا لي ولهوسي الكتابي المفاجئ الذي يجيء كغبار الرياض العاصف بطريقة لا يمكن فهمها. 

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *