الإرهاب والمقدس/ الأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي

إنّ نظرة (هيغل) عن الشرق هي نفسها النظرة الى الاسلام وباعتبار الاسلام هو الامتداد التاريخي والطبيعي للشرق ، لذلك فأن (الروح المطلقة ) لديه والتي تعد الفكرة المركزية في فلسفته ، قامت بمراحل تطورها التاريخي ابتداءً من العالم الشرقي ، و العالمين الاغريقي والروماني وصولاً الى العالم الجرماني ، و الذي تطورت فيه الى درجة النضوج الانساني المتكامل وفي هذا المسار التطوري للروح المطلقة ، أخرج (هيغل) الاسلام من دائرة التطور والانسانية التي تقوم على الجانب العقلي في نظامه الفلسفي، وهذا يأتي من أنّ الاسلام ونظامه العقدي والروحي استبعد الاهتمام بالعالم الانساني ، وهذا هو السبب الذي جعل المزاج الاسلامي يتأرجح مثل بندول بين الحماسة المتطرفة واليأس المطلق ، من حد اقصى الى أخر ، وبسبب من هذه الحدود القصوى انطوت الحضارة الاسلامية على نوع من التدمير الذاتي ، والوقوف على حافة الخروج من التاريخ لا شيء لدى الاسلام يقدمه الأن سوى التطرف ، والاستماع الجنسي ، والطغيان ، وهذه المرتكزات الثلاثة هي ما تكررت عند أغلب المفكرين ورجال الدين الغربيين وخصوصاً قضية الاستمتاع الجنسي والشهوانية المرافقة للمسلمين ورسوله محمد(ص) ، حسب وجهة النظر الغربية ، وطغيان الدولة و توسعها على حساب الامم الاخرى بالتطرف والارهاب و قوة السيف ، وكأن الاسلام امة متوحشة يصورها الفكر الغربي و يسوقها على مدار الاجيال الى العالم اجمع ، ويركز (هيغل) في رؤيته الفلسفية على إنّ الشرقيين ومن ضمنهم المسلمين ذات النزعة الشهوانية هم ليسوا أحراراً، أي أنهم لم يعرفوا الحرية بكافة أشكالها ، فأنهم لم يكونوا احراراً، و كل ما عرفوه هو ان شخصاً معيناً هو حرٌ ، ولكن على هذا الاعتبار نفسه، فأن حرية ذلك الشخص الواحد لم تكن سوى نزوة شخصية و شراسه ، وانفعال متهور وحشي ،أو ترويضي واعتدال للرغبات ، لا يكون هو ذاته سوى عرض من أعراض الطبيعة ، أي مجرد نزوة كالنزوة السابقة ، ومن ثم هذا الشخص الواحد ليس الا طاغية ، لا انساناً حراً ، ولم يظهر الوعي بالحرية، وهذه التصورات هي مطابقة في الرؤية للإسلام ولرسوله(ص) هذه الأمة التي لا يعتبرها امة حرة ، بل هم عبيد يوجههم شخصية واحدة لديها نزوات شخصية وشراسة ، وهي ما تنطبق على تصوراتهم الفكرية في الغرب عن الرسول محمد (ص) ،علماً إنّ (هيغل) جعل الاسلام هو الامتداد التاريخي والطبيعي للعالم الشرقي.
وفي انتقاله اخرى الى مفكر أخر وهو المؤرخ والفيلسوف الفرنسي (أرنست رينان 1823-1892) ، وكانت محاولاته في وصف الاسلام ورسوله ، وكذلك عمل على ارجاع التفوق الى العالم الغربي من خلال الصراع الحضاري بين الشعوب السامية التي يرجع لها الاسلام والشعوب والآرية التي يرجع لها بعض الاقوام الاوربية المتفوقة عرقياً ،ورأى (رينان) في المحاضرة ، التي القاها عن (الاسلام والعلم) ، التي يستمد فيها أفكاره من (فولتير) ، إذ يقول: أنّ العقل الشرقي غير قادر على التفكير المنطقي والفلسفة ، وكان ذلك سبباً في الوقوف من دون تطور العلم والمعرفة في العالم الاسلامي. كان العلم القليل والفلسفة اللذان جاء بهما المسلمون نتاجاً لثورة على الاسلام، والذي هو – على وفق رأي (ارنست رينان)- دين بعيد عن التفكير والابداع التي أصبح من سمات الأمم المتقدمة ، لكن الإسلام أسهم في جعل الشعوب التي دخلت تحت رايته من العيش في التخلف و انحدار نحو الهاوية ، والجهل والابتعاد عن المعرفة و التقدم ، والإسلام على وفق تعاليم الرسول (ص) لا يتناسب مع المعرفة والعلم والتطور ، بل هو دين استند الى تعاليم دينية ابعدته كل البعد عن حقيقة التقدم ، لهذا السبب يرى (رينان) أنّ المسلمين هم أول ضحايا الاسلام ، تحرير المسلم من دينه هي افضل خدمة يمكن للمرء أنّ يقدمها له، وهذه الخدمة هي إبعاد المسلمين عن حضارتهم وديانتهم وانتمائهم لنبيهم . وهنا نسأل (أرنست رينان) هل هذه الاطروحة التي تقول بها معتمدة على دراسة الاسلام بشكل صحيح ،ومن داخل المنظومة الاسلامية نفسها ؟ ، اي هل اطلع (رينان) عل (القران الكريم) ودرسه بشكل علمي سليم ، دون أنّ يعتمد على اراء الاخرين فيه؟ و هل درس حياة الرسول الكريم (ص) من نفس مصادر المسلمين انفسهم ؟ أم تأثير بأقوال الآخرين ، كما هو تأثيره برأي (فولتير) ،أو غيره من المنظومة المعرفية الغربية التي وضعته بالضد من الإسلام ورسوله الكريم (ص)؟ ، هذه التساؤلات و غيرها عادة ما تكون بعيدة عن المفكرين الغربيين ، فهم فقط يدرسون الإسلام وحياة الرسول من خارج الاسلام متأثرين بآراء بعيدة عن الاسلام نفسه ، لذلك كانت نظرة (ارنست رينان) عن الرسول محمد (ص) تناقض الحقيقة وبعيدة عن صفات الرسول (ص)، اذ يرى (رينان) في الرسول محمد (ص) تناقض الحقيقة و بعيدة عن صفات الرسول محمد(ص) ، اذ يرى (رينان ) في الرسول وحسب رأي نسبه الى المسلمين بأنهم اعترفوا أنّ الرسول في مناسبات عدة كان اكثر استجابة لرغباته منه الى واجبه ، رينان الذي نظر الى القران الكريم كثورة ادبية بقدر ما هو ثورة دينية ، خلص الى أنّ الحركة الاسلامية حصلت دون إيمان ديني ، وأنّ النبي لم يقنع سوى أناس قليلين في الجزيرة العربية، يقول رينان (ايضا) : كل أنسان يتمتع بالحد الأدنى من الاطلاع على شؤون العصر يرى بوضوح الدونية الحالية للبلدان الاسلامية و الانحطاط الذي يميز الدول التي يحكمها الاسلام و البؤس الفكري للأعراق التي لا تقتبس ثقافتها و تعليمها الا من هذه الديانة.
إنّ آراء (رينان) تكشف عن عدد من النقاط التي يراها في الاسلام و رسوله الكريم (ص) وهي كالاتي :-
اولاً- إنّ الاسلام هو دين يبعد العقل و يعتمد فقط على الطقس الديني ، وهذا ما يجعل الشعوب التي تعيش تحت سلطته هي شعوب متخلفة بعيدة عن التطور والعلم و المعرفة.
ثانياً- إنّ هذه الديانة تأتي على وفق ترتيب (رينان) المؤدلج في المراتب الدونية وهي منحطة وتعيش في بؤس فكري ، مما انعكس ذلك على الأعراق التي عاشت في ظلها ، فهذه الأعراق هي الصورة الطبيعية للدين الاسلامي وافكار الرسول (ص) ، و خير دليل يراه (رينان) البلدان الاسلامية و ثقافتها المستمدة من هذه الديانة.
ثالثاً- إنّ هذه الافكار والثقافة الاسلامية التي أوجدها الرسول (ص) ،يراها (رينان) ما هي الا إستجابة لرغبات الرسول (ص) فقط وليست مستمدة من رسالة سماوية، وهذا ما ينقله (رينان) عن المسلمين و رأيهم برسوله وكما يزعم ، وفي هذه الصورة تَجني كبير ، كون (رينان) نفسه قد تأثر بآراء غربية صورت الرسول (ص) في صورة مشوه قائمة على الرؤية من خارج الاسلام ، أي نظرة غربية بعيدة عن الموضوعية في هذا المجال .
و ننتقل الى الكاتبين (واشنطن ايرفينج 1783- 1859) و (مارتن توين 1835-1910) ، فالكاتب الأول نشر كتاب بعنوان (محمد وخلفائه)(Mohamet and his Successors) ، اراد فيه أنّ يقدم صورة عن انظمة الحكم في الاسلام والتي تتميز بحكم الرجل الواحد المتسلط (الاوتوقراطي) ، وتشكيل سلطة دينية (تيوقراطية) بعيدة عن الديمقراطية ،وحسب المفهوم الغربي ، وهذه الطريقة في الحكم صنعت شعوب بعيدة عن الحرية ، وهذا السياق من الحكم يبقى في نفس التصورات السابقة ، بأنه حكم الرجل الواحد الذي يسيرهم بحسب اهوائه ، وهذه الشعوب تبقى تعيش في فترة العبيد الذين لا يستطيعون تغيير ،أي شيء في حياتهم .أما الكاتب الثاني (مارتن توين) ، ففي كتابه عن الشرق الذي يحمل عنوان (السذج خارج الوطن) قدم فيه نقد للمسلمين على أنهم شعوب همجية قذرة وجاهلة ومتخلفة ، يؤمنون بالخرافات التي اتتهم من طبيعة حياتهم وطريقة حكمهم وطريقة دينهم ، ففي زياراته الى فلسطين يصفهم بأنهم يعيشون في مستنقع قذر لا يعباؤن بالجهل ولا الوحشية ، أما في زيارته لمصر رأي بأنهم لا يستحقون التقدير .إنّ كتاب (السذج خارج الوطن) مليء بصور ذهنية لكاتبة عن شرق اوسط مسكون بالقراصنة والانبياء والمعوزين على محمل الجد ، وبالتالي فأن عدم التفريق بين هؤلاء وأوصافهم ،وأوصاف الشعوب في الشرق الاوسط ، يجعل من (توين) يعيش في صورة تحمل النمطية ذاتها عن هذه المنطقة ، كون دينهم لم يرتقي بهم الى مستوى الحياة ، وكل هذه الاوصاف المنحازة في ذهنية (توين) يتحملها الاسلام و نبيه الذي لم يرتقي بهم الى مستوى الشعوب والامم الاخرى كالشعوب التي تعيش تحت سلطة المسيحية في الغرب.
وكان لرجال دين أمريكيين مواقف من الرسول محمد(ص) والإسلام ، هي مبنية على تصورات سابقة لمفكرين وكتَاب ووعاظ غيرهم ، لكن هذه التصريحات للأمريكيين المعاصرين كان لها الدور في رسم و تأكيد العداء ضد الاسلام ورسوله الكريم في الولايات المتحدة الامريكية ، وهذه الاوصاف تتناغم مع السياسات الحالية في وصف العرب والمسلمين بأنهم أرهابيين ، وهم شعوب بعيدة عن الحياة والتحضر ، واذا استعرضنا بعض أقوال هؤلاء الكتّاب الذين يمثلون الشريحة الدينية في أمريكا الذين يعدون العالم الاسلامي تهديداً و يدعون الى عدم احترام مقدساته و هذا يجعل الكراهية تزداد للمسلمين في أمريكا ،ويجعل المسلمين يزدادون كرهاً ايضاً لأمريكا ، و من هذه الاقوال : يقول (بات روبرتسون): لقد كان (أودلف هتلر) إنساناً سيئاً لكن ما يفعله المسلمون باليهود هو اسوأ مما فعله (هتلر) ، وعندما يشير (الاب جيري فالويل) في كلامه عن النبي محمد(ص) أنه (ارهابي) ، و ندما يقول (جيمي سواغارت) في صلاته (ليبارك الله اولئك الذين يباركون اسرائيل و يحفظونها ويلعن اولئك الذين يلعنونها ). و عندما يقول الاب (فرانكلين غراهام) عن الاسلام أنه (دين شرير)كما يقول أن المسيحية والاسلام (يختلفان عن بعضهما اختلاف النور والظلام) . وهذه الاقوال الأربعة هي خطاب مكرر يرجع الى ازمان سابقة، وهذا الخطاب الذي أنتجه هؤلاء الكتاب دون أنّ يقع تحت مبدا المسائلة والاساءة للأخرين ، كما هي الطريقة التي يحارب بها كل شخص يتناول اليهودية بالأقوال ،أو الافعال ، وهذه الاساءات للإسلام ورسوله الكريم (ص) لم تواجه من قبل الساسة في الغرب لأنها حسب زعمهم تقع تحت بند حرية التعبير في العالم الغربي .
ونستنتج من هذه الاقوال الاربعة ما يأتي :-
اولاً- إنّ تهمة الإرهاب التي اصبحت في الوقت الحاضر الصيغة المهمة لاتهام الاخر ، هي صفة من صفات الرسول (ص) حسب راي (جيري فالويل) الذي – على وفق قوله هذا فأنه – يجيز الاساءة للرسول (ص) واتهام دين الاسلام بأنه دين إرهابي أوجد الارهاب بصيغته الحالية في العالم.
ثانياً- إنّ الاسلام هو الاسوأ في الوقت الحاضر ، اسوأ حتى من (هتلر) و ما فعله في اوربا وهذا يعطي الحق للدعوة في الصلاة (جيمي سواغارت) ضد الاسلام لأنهم يلعنون اليهود ، وبالتالي فأن الاسلام دين شر.
ثالثاً- الإسلام دين الشر والظلام يختلف عن الديانات الاخرى (اليهودية والمسيحية) كاختلاف النور والظلام ، والخير والشر ، والمسامحة والارهاب ، وهذه الثنائيات هي ليست جديدة بل هي تقسيمات قديمة ترجع الى الحروب الصليبية و ما قبلها من ثنائيات كانت تستخدم للتفريق بين الاسلام و الغرب.

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *