عنوان الورقة (ما أوذي نبيٌ مثل ما أوذيت)

أ.د محمد كريم الساعدي

 في بدء الكلام ومقدمة الكتاب نطرح تساؤلات نفترض فيها نسق الموضوع، لكي نصل بالموضوع إلى ما نصبوا إليه من أفكار حول مسألة الإساءة وقصديتها، والتشويه، أفعاله في المنجز الفكري الفلسفي والأدبي والفني الغربي، وقصدية الفكر الذي أنتج هذه التعميمات على الآخرين، والذين عدهم مختلفين ومخالفين في المجالات الحضارية والثقافية المختلفة.

نبدأ هذه التساؤلات بما يلي :

وهل لهذه المركزية من أسباب تجعل من الآخر تابعاً، يوصف بأوصاف دونية في سجلها التاريخي؟

وفي ظل هذا التحضر، هل يسمح للقائمين على هذه الحضارة لأنفسهم بأن يثبتوا ويؤكدوا في أنساقهم المختلفة فكرياً وثقافياً واجتماعياً وغيرها، تخلف الآخر المغاير، وجعل هذه المغايرة والانتقاص من المسلّمات الثابتة في أحكامهم نحو الآخر المختلف في أشكال المعرفة والثقافة والفنون وغيرها، مما يمنحهم مبررات لإعطائهم الحق في تأكيد الإساءة وتشويه الآخر؟ أم أن القائمين على الحضارة الغربية استغلّوا ما يقدمه الآخر من ثغرات في تاريخه المتأزم وظهور تيارات منافية للشرعية وللقيم الإنسانية ، إذ أنهم عملوا مع هذا الظهور للتيارات السلبية في المجتمعات الشرقية الإسلامية على تثبيت وتأكيد تلك الصور الموهومة بحجة أن هذا هو الوجه الحقيقي للشرق المسلم الذي حذرنا منه في حضارتنا الغربية ؟.

     إن هذه التساؤلات في هذا المجال كثيرة ومتعددة ومتشعبة، وقد يرى كثير من أفراد مجتمعاتنا بأن الغرب بريء مما يجري في (ساحاتنا الثورية وشعاراتنا التحررية) وأن الموطن العربي والإسلامي كما وصفه بعض مفكري الغرب ، هو في الأساس رازح تحت جذور الديكتاتوريات منذ زمن الحضارات الأولى في الشرق ، التي وصفها (هيغل): بأن (الروح المطلقة) كانت تعبر عن أصالتها بشكل رمزي في الشرق بسبب ملوكها وفراعنتها ، الذين جعلوا من أنفسهم أنصاف آلهة بل آلهة في بعض الأوقات ، إذ انسحب هذا الوصف على قياداتها الحالية ، والبعض يرى بأن هذه الأوصاف مازالت مستمرة حتى بعد التغيير ، والعهدة على من حاول تأكيد الأوصاف التي نعت بها الإسلام  ،وإعطاء الحجة لتثبيت النعوت والإساءة ، وإيصاله الى ما نحن عليه من قتل وذبح باسم (الله اكبر) وراية الرسول محمد (ص) ، حتى يزيد يقين البعض الذي تغريه الصورة دون أن يبحث في القصديات وما تخفيه من نوايا وسلوكيات متقصدة ، يهرول نحو المقولات والنعوت والتشويه والإساءة التي أتى بها الغرب ويعدها صحيحة ، كونها نتيجة للإسلام وفكرهِ المتمثل في الوقت الحاضر بالحركات التي تدّعي الجهاد ، والجهاد مع الأسف ليس ضد المحتل الغاصب للأرض العربية ، ولا حتى ضد بعض طواغيت العصر، بل ضد الجماعات والأقليات والطوائف والمذاهب وأبناءها الأبرياء الذين قُتلوا وشُردوا على الهوية كما في العراق وسوريا وليبيا ، وغيرها من شعوب في المنطقة الأوسطية الذين وقعوا بين الفكر المنحرف والنوايا المخفية القادمة من وراء البحار والقارات.

      لذلك، فإننا نفترض بأن الإساءة والتشويه قصدية والهدف منها لأجل التسويغ للقادم من الأزمان الماضية، وتشتيت لما تبقى من الأوطان ، وتهيئة لنظريات جديدة بعد (النخب الثقافية) و(الشرق الأوسط الجديد والكبير) و(خارطة الطريق) و(الفوضى الخلاقة) و (تقسيم المقسم) ووعود أخرى بعد (سايكس بيكو) و (بلفور) واتفاقات أخرى بعد (مدريد) وغيرها ، الهدف منها ليس تحرير الإنسان ،الشرق أوسطي ، المسلم ، العربي، لأنه يذبح تحت مرأى الدول صاحبة المقعد الدائم ولم تفعل شيء لصالحه ،كما في الصراع على أرض فلسطين ، دون أن تحرك ساكن ، فقط الشجب والاستنكار ، الذي (لا يسمن ولا يغني من جوع) ، والبقاع ملئت بالمهاجرين والمهجرين والنازحين ، الذين قتلهم الجوع والبرد في الشتاء ،والعطش والحر في الصيف ، كأنهم في رحلة الموت المستمرة.

       إن نظريتنا في هذا المقام، والتي سنحاول إتباع أسسها في الفكر الغربي ، ترى بأن أصول الإساءة والتشويه هي مقدمة أوليّة للقادم من التغيير، الذي يخفي وراءه قصديات التدمير الذاتي للهوية، ويضع للقادم الانحرافات داخل الفكر الشرق أوسطي المسلم عن أصالته، وإظهار البديل الثقافي من أجل اعتناقه، بأنه الأفضل مما نحن فيه . فكلما كانت المصاديق أكثر تطبيقاً -وهي ليست من وضع أصحاب الشأن أنفسهم، بل من وضع أيدي أخرى- كان الإتباع لها أكبر حجم وأكثر اندماجاً فيها، وليست القضية آنية وحديثة حتى نتكلم عن نظرية المؤامرة، بل هي عقيدة سار عليها الماضون وحصد نتاجها من جاء بعدهم .

     إن الإساءة والتشويه قانون وضع منذ زمن بعيد يرجع الى ظهور الإسلام كقوة مهمة في الخارطة العالمية والبعض يعتقد بأنه ظهر قبل الإسلام ، ونحن نؤكد من خلال المراجعة لبعض المصادر بأن المقصود في حركات الاستشراق والدراسات الاستشراقية التي تعود الى قبل (800) سنة وما قبلها من محاولات لإخضاع الشرق ، كانت تستهدف الآخر المسلم حتى وإن تبدلت هذه الصفات بين الغرب والشرق، (الغرب المتحضر، والشرق البربري) و(الغرب المؤمن، والشرق الكافر) و(الغرب المتنور، والشرق الظلامي)، لكن تأكيدنا بأن المقصود في هذه المرحلة والتي بدأت دراساتها في القرن الحادي عشر ميلادي عندما فتحت كراسي الاستشراق والدراسات الاستشراقية في الجامعات الغربية بأمر من مجمع الكنائس ، توجت هذا الدراسات بأطروحة (صامويل هنتنغتون) في كتابه(صدام الحضارات) ، وهو إعادة صنع النظام العالمي ، إذ يرى (هنتنغتون):” إن الحضارة الإسلامية والمتمثلة بمركزها العربي محط لكل الصراعات مع باقي الحضارات ، إذ اعتبر كل من الحربين العالميتين الأولى والثانية وبعدها الحرب الباردة ،بأنها حروب مصالح ولا ترتقي الى صدام حضاراتي، باعتبار أن كل المتصارعين ينتمون الى حضارة واحدة، وأن الصراع الحضاري أو الصدام الحضاري يقوم على  امتيازات حضارية بين حضارتين متنافستين على مركز القيادة، وهذا الامتياز بينهما هو في الجذور الثقافية والاجتماعية والدينية والعادات والتقاليد التي تتميز بها كل حضارة وما يمثلها من شعوب ذات هويات ثقافية غير قابلة للإلغاء . لذا فقد قسم (هنتنغتون) العالم إلى ست حضارات عالمية هي (الغربية  الصينية، اليابانية ، الهندية ، الإسلامية ، الإفريقية) وجعل الحضارة الإسلامية هي محور في كل صراع حضاري ، ومن حق الحضارات الأخرى الحفاظ على هويتها اتجاه الخطر الدائم الذي يسببه الإسلام أو سببه الإسلام( ). وللمتتبع الحاذق لما جرى منذ (800) عام إلى الوقت الحالي، وللنشاط الفكري الاستشراقي والثقافي الغربي ، سوف يأتي بتصور مفاده : بأن القصدية في التشويه والإساءة لم تكن ردة فعل اتجاه ما قام به الفكر المنحرف والمتطرف الذي نضع بعده علامات تعجب عديدة، و كثيرة حول مرجعياته والأسس التي تقبع خلف تكوينه ، بل إن الرسوم وغيرها من الأفلام والصور المسيئة لرسول الإسلام، جاءت انطلاقاً من ميتافيزيقيا الفكر الغربي الحافل بنشاط قصدي ، لدرجة أن البعض يرى الإساءة، بأنها ما أشار اليها الرسول محمد (ص) بأنه (ما أوذي نبي مثلما أوذّيت) ليس المقصود فقط على ما وقع في الإسلام من تشويه وتغيير لبعض أحاديثه الشريفة ، بل إن الأذية  التي قصدها الرسول (ص) ممتدة إلى الوقت الحالي عندما يوصف بأوصاف سيئة في الصحافة العالمية تحت بند حرية التعبير ولا تتحرك الأمم المتحدة لتلك الإساءة، فقط تتحرك الدول الكبرى ومجلس أمنها عندما يدافع الآخر عن حقوقه في أرض مسلوبة، وتصبح القضية ذات أبعاد عالمية ،حينما يذكر اليهود ومحرقتهم، واتهام الآخرين بالخروج عن احترام السامية وعدم المساس بها ، فهل اليهودية هي دين الله الأوحد ، والشعب اليهودي شعب الله المختار كما يزعمون، والإسلام هو دين كفر وإلحاد؟ وهذه الحقيقة التي انعكست في السياسة الأمريكية خاصة والغرب عامة، هي خير دليل على تأكيد هذه الصورة، وما يقبع خلفها من تداعيات على شعوب الشرق الأوسط العربي المسلم ما يظهره الكاتب (جانيس ج تيري) في كتابه (السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط) بقوله:” وتمتد عملية تجريد الثقافة العربية الإسلامية من الصفات الإنسانية من قمة الهرم في الحكم وحتى أصغر متطوع في الجيش، وإضافة إلى المقترعين في الانتخابات الأمريكية”( ). وهذه الصورة واضحة إلى المدى الذي وصلت إليه عملية ازدراء الإسلام في الثقافة الغربية وقمتها ،التي ينظر إليها من يدّي الإنسانية بأنها النموذج العالمي في التطور وحقوق الإنسان واحترام الآخر كما يظهر في المانشيتات والفضائيات ، حتى إن الناخب الأمريكي يرى بأن الإنسان المسلم هو بعيد عن محور الإنسانية وصفاتها الخاصة ،التي تشكلت بعيداً عن وعيه السالب ،بحسب الاعتقاد الغربي ، وأصبح جسده الذي امتلأ آثاراً من الاستعمار والاحتلال (فأر) تجارب للأسلحة الغربية صاحبة حقوق الإنسان والحيوان معاً ، وهذا ما انعكس في تعامل جنود الاحتلال الأمريكي في العراق وغيرها من البلدان الإسلامية.

      وفي مثال آخر عن الإسلام ورسوله (ص) وقصديه الإساءة والتشويه، إذ يرى الكاتب (تيري هنتش) في كتابه (الشرق الخيالي ورؤية الآخر) إذ يقول: “إن الأدوات الأساسية والتي بفضلها ينتقص الأوربي العادي وبشكل غريزي من العربي المسلم جاءتنا من بعيد . أنها تستمد جذورها من الخطاب الحقود الذي قامت بإشاعته الكنيسة الكاثوليكية حول الهرطقة والشعوذة (المحمدية) اعتباراً من القرن الحادي عشر، ودوام هذا الخطاب تحت أشكال مخففة نوعاً ما ليعود الى الاشتداد في بعض المناسبات من هذا القرن ولم يتخلص منه بعد، ولا حتى إدانته من قبل السلطات الرسمية الكاثوليكية – إلا مؤخرا – ويأتي هذا الأمر في إطار سعي هذه السلطات إلى إخفاء مظهر العالمية على الرسالة المسيحية”( ) . وهذا المثال الثاني يشير إلى أن عملية الانتقاص المستمرة ، والتي شكلت جزئية مهمة في ذاكرة التعالي الغربي على الآخر الشرقي العربي المسلم ، هي تنطلق من أسس بعيدة ، كما تم ذكرها سابقاً في هذه المقدمة وأكدها (هنتش) في رأيه واستقصائه للمعلومة وتدوينها في كتابه ، فهذا الكاتب يؤكد أن من ضمن أطُر التشويه والإساءة هي ما رمي به الرسول محمد (ص) بالشعوذة والهرطقة التي استمرت في ذاكرة المجتمعات الغربية ، وهي مرسومة ويتم تأكيدها، حتى إننا لم نلحظ في الوقت الحاضر وبعد ظهور الرسوم المسيئة للرسول تظاهرات كبيرة رافضة من قبل المجتمعات الغربية ، بل كانت هناك تظاهرات للجاليات الإسلامية ومن أيدها وهم قلة من الغربيين ، إلا أن الإساءة والتشويه استمرت في صحف أخرى وفي أكثر من بلد أوروبي غربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *