الخطاب البصري في المسرح / الأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي

يأخذ الاتصال تعاريف مختلفة ومعاني متعددة ، وذلك بحسب استخدامه في مجالات الحياة المختلفة .
فالاتصال بمعناه العام هو العملية التي بها يتفاعل المرسلون والمستقبلون للرسائل في سياقات اجتماعية معينة .
ويعرف ( ولبورشرام ) ـ منظّر الأعلام ـ الاتصال بأنه عملية تهدف إلى غاية معينة ، هي خلق حالة من التفاعل والانسجام بين المرسل الشخصي ( أو الأشخاص ) الذي يقوم بإرسال رسالة ، وبين الأشخاص المتلقين لتلك الرسالة ، والعمل على خلق حالة من المشاركة بينهم لأجل استيعاب المعلومات أو نقل فكرة معينة أو تغيير اتجاه معين .
والاتصال بمعناه الفني هو عملية توعية قصدية تهدف إلى أثارة استجابة نوعية لدى المتلقي بغية التأثير عليه نفسياً وعقلياً وسلوكياً ومعاونته على اتخاذ موقف نوعي محدد .
ويعتمد الاتصال بالدرجة الأولى على التفاعل الذي يحصل بين طرفي عملية الاتصال ، على اعتباره عملية تبادلية في طبيعتها ، تبادل مشترك للمؤثرات المتراكبة ، أو هو ( التوجه المتلازم Co – orientation ) لكل شخص متواصل نحو الآخرين ونحو موضوع تفاعلهم الاتصالي .
ويقوم الاتصال على عدد من العناصر وهي : المرسل Sender ، وهو مصدر المعلومات المرسلة الذي يعمل على استخدام وسيلة أو وسيط Media لإرسال معلوماته عن طريقها . ورسالة Message وهي المضمون المراد توصيله إلى مستقبل أو متلقي Receiver المعلومات الذي يعمل على الرد عليها إرادياً أو غير أرادي وذلك من خلال ردود أفعاله المختلفة التي تسمى بالتغذية الراجعة feedback .
وللاتصال أنواع منها اتصال صوتي لغوي ، يعتمد على حاسة السمع ويقوم على لغة صوتية محددة معروفة من قبل المرسل والمتلقي , واتصال غير لغوي يعتمد على أعضاء جسم الإنسان وحركاته ذات المدلولات المفهومة للآخرين وهي :ـ
1ـ الوجه وتعبيراته Facial Expression .
2ـ الإيماءة والحركة الموضوعية لأعضاء الجسم .
3ـ الإشارة المرسومة وغير المرسومة .
4ـ لغة العيون وحركة العين .
5ـ المظهر الخارجي الكلي .
6ـ ردود الأفعال السلوكية اللاحقة .
وتعتمد الأنواع غير اللغوية في الغالب على ( حاسة البصر ) في الاتصال بين المرسل والمتلقي .
ويعد الفن بصورة عامة من وسائل الاتصال الأكثر فاعلية في المجتمع ، حيث يرى ( أرنولد هاوزر ) أن الأثر الفني ما هو إلا وسيلة اتصال ، ولكن على الرغم من أنه ، في الحقائق الثابتة أن النجاح في هذا التوصيل يتطلب صورة خارجية تمتاز في أن واحد بالفاعلية ، فلا جدال كذلك في أن هذه الصورة تصبح غير ذات معنى إذا نحن فصلناها عن الرسالة التي تؤديها .
والمسرح بوصفه فناً ، يعد وسيلة من وسائل الاتصال ، حيث تؤكد ( د. نهاد صليحة ) أن ما يميز الخطاب المسرحي هو خاصيته الاتصالية ، إذ أنه خطاب يحمل في ثناياه فرضية واضحة عن طبيعة الأسلوب الأمثل واستقباله .
ويتميز المسرح عن باقي وسائل الاتصال الجماهيرية ، كالتلفزيون والسينما وغيرها ، كونه يمتلك خصوصية في الحضور العياني لكافة عناصره الاتصالية في لحظة حضور حية كونه موضوعاً حسياً جمالياً أو حقيقة واقعية متخيلة تشغل حيزاً في المكان وتأخذ ديمومتها الزمنية من فعل سرديتها الصورية .
ويحتوي الخطاب المسرحي على ثلاثة أنواع من التأثيرات التي يفرضها على متلقيه فهو يحتوي على تأثير فكرية يؤثر على ذهن المتلقي ، وتأثير عاطفي يؤثر على شعوره ، وتأثير ترفيهي هدفه المتعة . ويأخذ الخطاب المسرحي محتواه وطبيعة تأثيراته من طبيعة العلاقات الإنسانية ، وعلاقة الفرد بواقعه وبيئته ، مما يجعل مبدعو هذا الخطاب يتحكمون في طريقة وصياغة الموضوعات المرسلة إلى المتلقي ، لأنها منبثقة من الوعي الجمعي للطرفين ، فالخطاب المسرحي يفترض اتفاقاً مشتركاً بين المرسل الفاعل ـ والمستقبل المشارك من خلال (المعتقدات المشتركة ) وهي في ذلك تنتهج منهجاً علاقياً ( السيميوطيقي ) الذي هو تشكيل أو شكل أو شيء محسوس يولد المعنى في ذهن المتلقي بشكل قصدي وفعال من قبل المرسل .
ويوجد نوعان من الاتصال في الخطاب المسرحي ـ هما اتصال سمعي يشتغل على صوت الممثل والمؤثرات الصوتية الأخرى ، واتصال بصري يشتغل على العناصر البصرية ، وما يخصنا في هذا المجال هو الاتصال البصري ، بحيث تتم العملية الاتصالية البصرية في المسرح من خلال ( الكادر المسرحي ) الذي يعمل على تحويل الرسالة إلى شفرة تتخذ شكل الإشارة العلامية الصورية التي تبث إلى المتلقي . وهذه العملية تتم من خلال استخدام الممثل لجسده بمساعدة مكونات العرض البصرية الأخرى ، في بث الإشارة العلامية التي يرسلها عن طريق الضوء صوراً حركية إلى المتلقي الذي يستقبلها كإشارة ويعمل على فك شفرتها وتحويل المعلومات التي تصل إلى حواسه ( حاسة البصر ) في رسالة منسقة ، من خلال عملية الاستنتاج المستمر واختبار المعنى المرجح والمحتمل الناتج من مجموعة التفسيرات ، ليصل إلى إكمال سياق الإشارة العلامية بمساعدة معلوماته المخزونة في الذاكرة ( وعيه الجمعي ) وباختلاف الذاكرة من متلقي إلى آخر يختلف المعنى ولو بشكل بسيط وهامشي.

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *