تعد الظاهرة المسرحية ومنذ نشأتها الاولى عند الاغريق ظاهرة تفاعلية بين مرسل ، العرض المسرحي بكافة مكوناته ، وبين جمهور مسرحي يتلقى مجموعة من الرسائل المرسلة من قبل لغة العرض المسرحي (الخطاب المسرحي ) بشقيه السمعي والبصري . وتتم عملية الارسال والاستقبال في زمان ومكان محددين و مبتدأين من لحظة انطلاق الفعل المسرحي على خشبة المسرح ومنتهين عند اغلاق الستارة بعد تحية المشاركين في العرض المسرحي من مخرج وممثلين ومساعدين ومصممين ….الخ .
إذ اختلفت صيغ البناء للخطاب المسرحي وطريقة التلقي في العملية المسرحية ، بأختلاف المرجعيات الفكرية والفلسفية لكل منهما وحسب المدارس المسرحية التي ينتمي اليها والاسلوب المسرحي المتبع في هذا الاتجاه أو ذاك ، وهذا الاختلاف لم يكن وليد العصر الحاضر بل هو ممتد من النشأة الاولى عند الاغريق والى والفترة المعاصرة ، فالخطاب المسرحي تأثر بكل المتغيرات التي طرأت عليه من حيث طرق الاداء ولغة العرض المسرحي وما طرأ عليها من اتجاهات مسرحية جديدة اخذت بنظر الاعتبار بناء المسرح وكيفية وضع الجمهور المتلقي فيه وعدد المشاركين في المشاهدة المسرحية وطرق استقبالهم للعرض المقدم وكيفية توزيعهم على المقاعد سواء كانت تقليدية كما في مسرح العلبة الايطالي او تجريبية كما في الطرق المسرحية الحديثة عند غروتوفسكي ،أو بيتر بروك او باربا وغيرهم من الذين عملوا على وضع المتلقي في وضعية تلقي دائرية او غيرها ، وكذلك تغيرت صيغة اختيار المكان المسرحي بعد ان بدأت عند اليونان في الاماكن المفتوحة ثم تحولت الى اماكن مغلقة كما في مسرح العلبة الايطالي ثم عادة مفتوحة في بعض العروض المسرحية التي اتخذت من الساحات العامة والمصانع وغيرها مكان لعروضهم المسرحية وكما في عروض (ماكس راينهارت) وغيره من المخرجين المسرحيين ، مما ادى الى اختلاف طرق التلقي من الجمهور كما ونوعا ،وكل تلك الخطابات المسرحية افترضت صيغ محددة لطريقة تلقي الجمهور المسرحي المتوقع حضوره الى المسرح .
ان ظاهرة التلقي المسرحي قديمة بقدم المسرح نفسه ، ولولا وجودها لما كان هناك عرض مسرحي واحد ، لإن العرض المسرحي بدون تلقي سيبقى عملية ناقصة وغير مكتملة والسبب الان المسرح اساسا وجد ليشاهد وبالتالي فإن فعل المشاهدة اعطى للمسرح فعل الاستمرارية والتطور واصبحت ظاهرة التلقي مقياسا لنجاح العمل المسرحي او فشله . ولكن فعل المشاهدة والتلقي بقية بعيدا عن اهتمام الدراسات النقدية في مجال الفنون المسرحية ، والاهتمام بالمتلقي لم يظهر على ساحة الدراسات النقدية المسرحية الا في فترات متأخرة عندما توجهه الدراسات النقدية الادبية الى المتلقي من خلال فعل القراءة كما في نظريات التلقي واستجابة القاري والنظريات السيميائية بعد ان كان الاهتمام منصب في الدراسات النقدية على مبدع العمل الفني ومن ثم الى المنجز الابداعي في السابق .
لقد عملت بعض الدراسات المسرحية – منها دراسة (قراءة المسرح ) لـ(ان اوبر سفيلد) ودراسة (الطفس المسرحية والعرض ) وهي مجموعة مقالات لكل من (ريتشارد شيشنر وماري شومان) وكتاب (سيموطيقا المسرح والدراما ) لـ(كير ايلام ) وغيرها- الى تفعيل مصطلحات نظريات التلقي ولنظريات السيميائية في مجال الفنون المسرحية للاستفادة منها في فهم وتفسير الظاهرة المسرحية من جهة ودور الجمهور المسرحي فيها من جهة اخرى ، ولقد تنوعت هذه الدراسات بين من يدرس العملية المسرحية على اساس نظريات التلقي واستجابة القارئ وبين من يدرسها على اساس سيميائي لقراءة علامات العرض المسرحي ودورها في تكوين الخطاب المسرحي والية تشفير الرسائل من اجل تلقيها وفك شفراتها من قبل الجمهور ، واغلب هذه الدراسات ناقشت بشكل مباشر او غير مباشر دور الجمهور في المسرح العالمي مستفيدين من كون الظاهرة المسرحية هي ظاهرة تواصلية هدفها تحقيق اهداف متعددة على المستويات الفكرية والاجتماعية والوجدانية والجمالية.
في الوطن العربي ظهرت مجموعة من الدراسات ،والتي اختلفت في تسليطها الضوء على المتلقي وعلاقته بالعرض المسرحي ، حيث ان هذه الدراسات ناقشت ماهية العلاقة بين المسرح والجمهور واشكالية الحضور المسرحي للمتلقي ،والاشكالية التي رافقت عملية التلقي سواء على صعيد الظاهرة المسرحية ككل ، او على اجزاء منها ، كنوع المنجز الابداعي المسرحي ( كوميديا تراجيديا) ، او على مستوى للغة المستخدمة في العرض المسرحي (فصحى ام عامية) ، وكذلك ناقشت بعض الدراسات مصطلحات ارتبطت بالمسرح ومنها الفضاء الاجتماعي ودوره في فعل التلقي وغيرها من المصطلحات المرتبطة بجانب النقد المسرحي والتلقي .
إن عملية التلقي برغم ما تسبقها من استعدادات واستحضارات لفعل المشاهدة والتفرج للعرض المسرحي، والذي بدوره يقطع اشواطا من التهيئة والتدريب والبروفات لفريق العمل المسرحي من اجل مشاهدته من قبل الجمهور ، تبقى عملية انتاج المعنى للخطاب المسرحي ناقصة البناء في ذهن المتلقي دون وقوع لحظة التلقي مباشرة ، والتي يكون عنصر (تفاعلية التلقي) اساسية ومركزية فيها .