
يواجه البحث العلمي في الدول التي تعاني من ضبابية الاستخدام الصحيح للأشياء والتقنيات الحديثة ، أو المستحدثة في مجالات العلم والمعرفة معضلة حقيقية، إذ تكمن هذه المعضلة بالهوة المعرفية بين الموجود في المرحلة الحالية في دولنا وادواتنا المعرفية البسيطة ، وبين ما يوجد في الدول المتقدمة من تقنيات ومعارف حديثة ومبتكرة تسهم في تقدمهم السريع نحو المعرفة . وكأن العالم يتجه في أتجاهين مختلفين . عالم يتقدم في العلوم والمعارف ، وعالم آخر يتأخر بالعلوم والمعارف . وهنا لا اقصد الرقعة الجغرافية ،إذ توجد دول محسوبة على قارة آسيا لكنها متقدمة مثل الصين واليابان وكوريا وماليزيا وغيرها من الدول الآسيوية ، واخرى متأخرة في نفس القارة ، وهذا لا يعني أن الانتماء الجغرافي لنفس القارة أن تكون القارة كلها متخلفة ، أو القارة كلها متقدمة ، لكن توجد دولة لها سياساتها النهضوية التي تسهم في تقدم شعبها ، ودولة أخرى تسهم في تجهيل شعبها . وحتى لا نخرج من موضوعنا الرئيس حول الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في دولنا التي تقبع في آخر الركب لدول العالم المتقدمة لابد من أن تستفيد إيجابياً من التقدم العلمي ، ولابد أن تغادر مجال الجهل المركّب الذي تعيشه هذه الدول ، كون التقدم يفرض علينا أن نواكب آخر ما وصل إليه العلم ، ولا نواصل ممارسة الجهل المركّب من خلال العمل على ممارسة نعتقدها علمية لا تنتج لنا بالأساس معرفة حقيقية، فالمعرفة الحقيقية هي المرتبطة بالتطبيق المباشر للعلوم وانعكاسها في الواقع ، وليس التعكز على علم ندّعي بأنا نعرف تطبيقه ، لكن هذا التطبيق هو بعيد عن واقعنا .. فالذكاء الاصطناعي إذا لم يكن تطبيقه نافع وحقيقي لمؤسساتنا البحثية وطلبتنا ودراساتنا فما الفائدة منه .. فهو يسهم في زيادة الجهل كون الباحث قد يعمل على توظيفه للكتابة بدلاً عن الباحث نفسه. وكذلك يفكر الذكاء الاصطناعي بدل عن هذا الباحث ،بالإضافة الى تصميم الذكاء الاصطناعي لعمل يجمع فيه معارف عديدة ويقدم بعدها هذا الذكاء تقاريره الى الباحث تحتوي التحليل والتفسير والاستنتاج ، فماذا سيبقى للباحث من عمل يقوم به حتى يتشرف بوضع اسمه على غلاف البحث أو الرسالة أو الاطروحة . وما هو الفرق بين الباحث المنتمي الى المؤسسة العلمية وبين أي شخص آخر يقوم بهذه العملية حتى وأن كان لا ينتمي لهذا الاختصاص أو ذاك . في السابق كان الاستاذ الجيد يكشف هذا الجهل عند الباحث من خلال متابعة سيرة الباحث العلمية ومراجعة الموضوعات التي يقدمها الباحث ومرجعياتها الرقمية من خلال العودة الى محركات البحث التي تجبر الباحث على التنوع في الموضوعات أو المقالات العلمية التي يرجع لها والتي تفضحه في أغلب الأحيان عندما يسرق منها ، أما الآن فقد عمل الذكاء الاصطناعي أن يبحث في عشرات المواقع ويجمعها للباحث في بحث أو تقرير واحد يلخص كل ما يريده .. بالإضافة الى ذلك لا يكلف الباحث نفسه لمراجعة وفهم الموضوع ، بل وحتى تصفح أوراقه حتى يفهم ما فيه من معلومات .
فالذكاء الاصطناعي نعمة في دول العالم ونقمة في دولنا .. في دول العالم يسهل لهم معرفة الأشياء والأمراض وطرق العلاج .. ويسهل لنا السرقة والابتعاد عن حاجات المجتمع الحقيقية .
لذا يجب أن تعيد الدولة ومؤسساتها التعليمية وغير التعليمية النظر في هذه المسألة المهمة والحساسة، بل يجب أن تأتي لنا بالاسس الصحيح التي يجب أن نتعامل بها مع هذا المجال المعرفي دون أن يكون هناك مخادعة في استخدام هذه التقنية الحديثة … حتى لا نبتعد عن جادة الصواب ولا نضحك على أنفسنا بإن لنا مؤسسات تعليمية رصينة وهي عكس ذلك ، وما يجعلها عكس ذلك الاعتراف بما يقدم لها وهو مسروق بمساعدة الذكاءالاصطناعي.