حدد كل من ( الين أستون ، وجورج سافانا ) في كتاب ( المسرح والعلامات ) الكيفية التي تصنع بها الشفرات وتحل بصرياً من قبل المتلقي . وتمر هذه العملية بأربعة مراحل ، تختص المرحلتان الثالثة والرابعة بتكوين صورة العرض البصري وتلقيها . والمراحل هي :ـ
1ـ يقوم الكاتب الدرامي بتشفير النص من حيث إدراكه لوظيفته كمخطط أولي للإخراج المسرحي .
2ـ يقوم المخرج بحل شفرة النص لتطوير وتنمية مجموعة التصميمات مع فريق العرض ويتوصل إلى الميزانسين .
3. يقوم المصمم بإعادة تشفير النص لتطوير وتنمية مجموعة التصميمات في إطار القيود المالية والمكانية.
4ـ يقوم المتفرج بحل شفرة العرض ، ويحدث جدل متبادل بينه وبين البعد البصري كعامل مكمل لعملية التلقي .
أن عمل المصمم في العرض البصري يكمن في تكوين علامات بصرية حاملة لدلالات الخطاب المسرحي ( الشفرة ) التي يتعامل معها المتلقي ليصل إلى المعنى بعد حل الشفرات .
وسوف ننطلق ، في الوصول إلى التلقي البصري في المسرح ، من المرحلتين الثالثة والرابعة من مشروع صنع الشفرات وحل الشفرات ووفق الخطوات التالية :ـ
اولاـ تصنيف العلامات في المسرح .
أن علم ( السيميولوجيا) من العلوم التي تغلغلت في جميع المجالات الإنسانية ، حيث يرجع الفضل لكل من ( فرناند دي سوسير ) و ( تشارلز بيرس ) في تمهيد الطريق لظهور علم ( السيميولوجيا ) أي ( علم العلامات ) .
وكلمة ( السيميولوجيا ) هي كلمة منقولة عن الإنكليزية يعبر عنها بمصطلحين أثنين هما ( Semiology وemioties ) وهذان المصطلحان منقولان عن الأصل اليوناني ( Semelon ) أي الإشارة .
وتعرف ( السيميولوجيا ) أنها علم الإشارة الدالة مهما كان نوعها وأصلها ـ وهذا يعني أن النظام الكوني بكل ما فيه من إشارات ورموز هو نظام ذو الدلالة . وهكذا فأن ( السيميولوجيا ) هي العلم الذي يدرس بنية الإشارات وعلائقها في هذا الكون ويدرس بالتالي توزعها ووظائفها الداخلية والخارجية .
لقد مهدت مدرسة ( براغ البنائية ) في دراسة الفن سيميولوجياً ، حيث بدأت ما بين عام ( 1928 ـ 1948 ) بتحقيق أول طريقة منهجية بنيوية ـ دلالة لدراسة الفن ، وعلم الدلالة في الفن هو دراسة الفن بوصفه نظام للعلامات ، ولم يكن اهتمام البنيويين في بدايته منصباً على دراسة العرض المسرحي سيميولوجياً ، بل اهتموا بدراسة الأدب والفن وأنتقل الاهتمام تدريجياً إلى باقي روافد الفنون الأخرى وصولاً إلى المسرح .
وقد تطورت دراسة ( السيميولوجيا ) في المسرح ، وتبلورت بشكل فاعل من خلال عدد من الدراسات التي أكدت على أن الظاهرة المسرحية ظاهرة علاماتية وتم تحديد العرض المسرحي على ضوئها ، بأنه فعل سيميانتيكي ( علامي ، سيميائي ) مركز إلى أقصى حد يستخدم كأداة لتواصل دلالات تفضي بطريقة تكاد تكون منتظمة ودائماً إلى بعض المضامين ، لذا كان المسرح فن الشفرة والاصطلاح أكثر من الفنون الأخرى واعتماده على الشفرة هو أحد معطياته الأساسية .
ويتشكل العرض المسرحي سيميائياً من عناصر مادية دالة تحمل في طياتها مضمون رسالة العرض المسرحي ، فالعرض المسرحي هو وحدة سيميائية حيث يكون الدال ( أي الحامل ـ شيئاً أو مجموعة عناصر مادية ) ويكون ( الموضوع الجمال الكامن في الشعور الجمعي ) وتعتمد الوحدات السيميائية في العرض على التعبير المسرحي ، ويعتمد المسرح على إغناء الإشارات والبواعث والمحفزات التي تحمل قيماً مرمزة اجتماعياً .
ولقد ظهرت عدد من التنظيرات السيميائية التي تصنف أنساق العلامات في العرض المسرحي ، حيث يوجد تصنيفان يقومان على أساس العلاقة التي تربط الدال بالمدلول وهما :ـ
أ ـ التصنيف الثنائي : وهو التصنيف الذي يعتمد على مبدأ التعليل بين الدال والمدلول ، ويقسم إلى ما يلي :ـ
1ـ علامات طبيعية : وهي العلامات التي يرتبط الدال والمدلول بعلاقة سببية تتعين قطعاً بواسطة قوانين مادية تقتصر معا العلاقة بين الدال والمدلول على علاقة العلة والمعلول مباشرة ( كما هو الحال في العوارض التي تدل على المرض ) . وتوجد هذه العلامة في المسرح في عدة أمثلة ومنها : عندما يقوم الممثل بحركة رفع قدح ماء الشرب فهو يقوم بهذه الحركة لوجود سبب فيزيقي وهو العطش يربط الدال رفع القدح والمدلول العطش(شرب الماء).
2ـ علامات مصطنعة : وهي العلامات التي يكون فيها ارتباط الدال بالمدلول إرادياً ناتج عن تدخل إنساني اختياري ( في جميع اللغات يخترع الإنسان في يشير إلى أعراضه ). وتوجد هذه العلامة في المسرح بشكل واسع ومنها حركات التأدب والرقص وكلها حركات إرادية أعتاد الممثلون تقديمها على المسرح.
ب ـ تصنيف وضعه ( س . بيرس ) الذي قسم فيه العلاقة بين الدال والمدلول إلى ثلاثة أقسام هي :ـ
1ـ الأيقونة : وهي علامة قائمة على مبدأ ( الشبه Similitude ) فالأيقونة تمثل موضوعاً أساساً بواسطة الشبه القائم بين حامل العلامة ومدلولها . ويعد الممثل أفضل أيقونة في المسرح .
2ـ المؤشر : تعتمد علاقة المؤشر بموضوعه بوجود علاقة سببية فعلية بين الدال والمدلول ، أي تكون العلاقة في المؤشر علاقة ملموسة وواقعية ومن النوع التعاقبي ، العرض عادةً . المؤشر بالأساس فيها هو الدال الذي يكون علاقته بالمدلول ( مؤشرية ) في صيغتها .
3ـ الرمز : الذي تكون فيه العلاقة بين الدال والمدلول اتفاقية ( عرفية )( Conventional ) وغير معللة : يكون هناك تشابه أو ترابط مادي بين أثنين : (الرمز علامة ترجع إلى الموضوع الذي تدل عليه حقيقة بفعل قانون ما يكون عادةً تشارك أفكار عامة ) . وفي المسرح يمكن استخدام التاج كرمز للمملكة أو الكرسي رمز للسلطة … الخ .
ويعد تصنيف ( بيرس ) من أكثر التصنيفات شيوعاً في عمل وظائف العلامات المجسدة للعرض المسرحي .
ويوجد تصنيف ثالث للمنظّر ( البولوني ) ( تاديوس كوفزان ) الذي قسم العرض المسرحي إلى العلامات البصرية والعلامات السمعية ، منها ما هو متعلق بالممثل وتعبيراته الجسدية ، أو المظهر الخارجي له ، وثمة علامات ذات صلة بمظهر المسرح وهي العلامات البصرية وعددها تسعة . أما العلامات السمعية فهي أربعة وتختص بصوت الممثل والموسيقى والمؤثرات ، وما يخصنا في تصنيف ( كوفزان ) هو العلامات البصرية التي تكون بنية العرض البصري والتي سوف نتناولها من حيث الأهمية في تكوين صورة العرض المسرحي .
ثانيا ـ العلامات البصرية في العرض المسرحي .
قبل أن نتناول العلامات البصرية في العرض المسرحي ، يجب أن نعرج على المكان المسرحي الذي تتجمع فيه العلامات لتكوين الصورة المسرحية ، وذلك لآن المكان يعد المنظومة البصرية والجمالية الأولى التي يصطدم بها المتلقي كي يؤسس توقعه على الأقل أو انتمائه لاشتغال منظومة العرض الفكرية التي تأتي لاحقاً . فقد أختلف مكان العرض المسرحي باختلاف الموقع الذي يقدم فيه ، حيث ترى ( جوليان هلتون ) أن مواقع العرض المسرحي تقسم إلى ثلاثة أنواع وهي :ـ المواقع المحايدة ، وهي الأماكن المفتوحة والخالية التي تقدم فيها العروض المسرحية أحياناً إلى جانب النشاطات الأخرى كالألعاب الرياضية مثلاً . و المواقع العارضة التي تقدم فيها بعض العروض المسرحية ولكن بصورة غير دائمة أو منظمة مثل القصور والكنائس وتصميمها الداخلي يقترب من تصاميم المسرح الفعلي مثل قاعة الدرس مثلاً . و المواقع المخصصة أو الدائمة للعروض المسرحية كالمسرح أو دار الأوبرا مثلاً . وعلى وفق هذا التقسيم ” بإمكاننا أن نقول أن الخشبة يمكن أن تمثل بواسطة أي فسحة حقيقية ، أو بمعنى أخر ، الخشبة ممكن أيضاً أن تكون بنية أو ساحة بلدة محاطة بالمتفرجين . ولكن عندما نستخدمها كمكان للعرض المسرحي سوف يشير إلى صفة مكان العرض المسرحي وليس المكان الحقيقي ، وذلك من خلال العلامات البصرية الدالة عليها .
ويعد الممثل من أكثر العناصر البصرية الحاملة للعلامات في المسرح فهو وحدة ديناميكية لمجموعة كاملة من العلامات أنها تحمل ما يمكن أن يكون جسد الممثل وصوته وحركاته ، وأيضاً عدة أشياء من قطع الملابس حتى المنظر المسرحي وعموماً فأن الممثل يجعل المعاني تتمركز حوله وقد يفعل ذلك إلى حد أنه بأفعاله يمكن أن يحل محل كل حوامل العلامات Sign Carriers .
فالممثل هو العنصر الأساسي في عملية تجسيد النص صورياً على المسرح وإنتاج الدلالات المسرحية التي تقع في الغالب عليه ، على اعتباره العنصر الحي الوحيد القادر على نقل المعاني والأفكار إلى المتلقي ، فهو منتج وحامل المسرحانية في الوقت نفسه ، فهو يشفرها ويدرجها على خشبة المسرح على هيئة علامات وبيانات رمزية معالجة دفقاته الشعورية ورغباته بوصفه فاعلاً داخل عملية اكتشاف قرينه أو الأخر كي يجعله يتحدث ” .
أن العلامات البصرية التي يقدمها لنا جسد الممثل لا تعتمد فقط على جزء واحد من أجزاء الجسد كالوجه أو الأيدي أو الأرجل بل أن إيصال هذه العلامات يعتمد على عمل أجزاء الجسد سوية ، أي أن التشكيل الجسدي لا يعتمد اعتماداً رئيسياً على تعبيرات الوجه وحدها ، وإنما يكون لهذا الوجه علاقة عضوية مع أعضاء الجسد الأخرى لينجز مهامه الجمالية حسب مقتضيات العرض البصري. ويختلف كل جزء من أجزاء الجسد في أهمية التعبير عن الأجزاء الأخرى ، إذ يعد الوجه أهم جزء من جسم المؤدي ، وخاصة الفم والعينين . فالوجه يتفرد دون سائر الأعضاء بقدرة هائلة على التعبير المنوع المركب الرهيف ، فهو يرسل إشارات واعية أو غير واعية تدلنا على حالة صعبة صاحبة حالته الشعورية وحالته الصحية ، ودرجة انتباهه وموقفه العام وآرائه الخاصة ، وأهم إشارات الوجه هي الابتسامات الضحكات التي تعبر عن الاهتمام والترحيب أو البهجة واللذة والمتعة ، وتوازيها في الأهمية الدموع وعلامات العبوس التي تعبر عن الحزن والغضب أو عدم الرضى والقلق . ويأتي الجزء الثاني من أجزاء جسد المؤدي في أهمية التعبير البصري ، وهما الأيدي والأصابع فالأيدي تستخدم في تحقيق عدد كبير من الأفعال التي تلعب دوراً هاماً في الأحداث المسرحية ، فهي تقبض على الخنجر أو تشهر السيف كما ترفع الكؤوس وتتبادل الخطابات وتصافح الأيدي الأخرى ، إلى جانب ذلك تتدخل الأيدي بشكل مباشر في الإفصاح عن مكنون النفس أو دلالة الموقف . وتأتي في الأهمية الثالثة من أجزاء جسد المؤدي ذات القدرة على التعبير البصري فهي الأرجل . وإذا كانت الأرجل بطبيعتها أقل أجزاء الجسد قدرة على التعبير إلا أنها ضرورة أساسية في معظم العروض المسرحية .
وتختلف أهمية الجسد المتحرك عن الجسد الساكن في إيصال المعنى إلى المتلقي ، وترجع أهمية حركة الجسد في هذا الموضوع كونها نظام إشارات جوهره الوحيد الربط بين المعاني والصور المهيأة وهي بطبيعتها شيء ملموس موجود على هيئة ذخيرة من الانطباعات مخزونة في ذهن كل فرد من أفراد المجتمع تتحول عند الاستخدام إلى وسيلة أساسية في وسائل الاتصال ، فإشاراتها يمكن تحويلها إلى رموز ومعان تدرك عن طريق الحواس ( حاسة البصر) وبمعنى تصبح الحركة صورة مرئية دالة على الفعل السيكولوجي الاجتماعي للشخصية المؤداة.
وتختلف دلالة حركة الجسد المتحرك تبعاً لدوافع الشخصية المسرحية ، فالدوافع القوية والبسيطة تكون حركتها مستقيمة ، أما إذا تعددت العلاقات بين الشخصيات بين المسرح كانت الحركة منحنية ، وفي حالات الشك والتردد تكون الحركة متعرجة .
وتأخذ الإيماءة أهمية في التعبير البصري لجسد المؤدي على اعتبارها حركة موضعية ولها دلالات ومعاني متحركة ، فحركة صغيرة بالأصابع قد تؤدي معنى معين يغني عن الكلام ، وحركة صغيرة من الرأس والكتف قد تكون لها دور في توضيح الكثير من المقاصد والتعبير عن المشاعر للشخصيات المسرحية .
وتعد الأزياء من العلامات البصرية التي تأخذ دورها كعلامة دالة وناقلة للمعلومات في العرض المسرحي ، وذلك عندما يرتديها الممثل لتصبح جزءاً حياً من شخصيته ، فهي تتحكم في حركته وفي تعبيراته وتؤثر في سلوكه العام بصورة مباشرة بالإضافة إلى طاقتها الإشارية التي تساهم في الإفصاح عن معاني الأحداث ودلالات الشخصيات ، وكذلك قد يشير الزي كعلامة إلى علامة أخرى ليس للزي نفسه ، أي أنه قد يدل زي حربي ، مثلاً ، بالإضافة إلى صنف (الدرع) الذي يدل عليه حقيقة ، على (الشجاعة) أو (الرجولة) بالنسبة إلى حضور ما . وتأخذ ألوان الأزياء قوة تأثيرية دالة في العرض المسرحي ، إذ يوظف المسرح ، أيضاً دلالة ألوان الملابس ومظهرها العام في الإيحاء بالجو النفسي والحالة الشعورية في مواقف بعينها .
ويشترك كل من الزي والمكياج في أغلب الأحيان في إنتاج دلالة بصرية موحدة ، على اعتبار المكياج علامة من العلامات المهمة في العرض المسرحي ، حيث يساهمان في تحقيق عدد من الأحداث الهامة الواضحة فهي تقوم بدور المؤشر الشامل الذي يحدد عمر الشخصية المسرحية وجنسها وجنسيتها وديانتها ومكانتها الاجتماعية وذوقها العام ، وشخصيتها المتفردة ومزاجها الخاص وملامحها المميزة وانتقاءاها الاجتماعية فكأنها فهرست كامل يلخص على مستوى الصورة طبع الشخصية وطبيعتها . وحين تلتزم الملابس ومعها المكياج بفترة تاريخية محددة تحاكي أسلوبها بدقة صارمة فإنها تتحول أيضاً إلى حامل يجسد نسقاً خاصاً من القيم التاريخية والاجتماعية . ويمكن استعمال الأزياء والمكياج كعلامات تعطي مدلولاً عكسياً للمتلقي ، أي يمكن أن تستعمل في إخفاء الجنس الحقيقي للشخص أو مركزه الاجتماعي الحقيقي أو مهنته الحقيقة وذلك لأن مسألة التنكر بأسرها تكمن فيهما .
أما الإكسسوارات أو الملحقات المسرحية فهي أيضاً من العلامات البصرية الدالة في العرض المسرحي ، حيث تطلق مفردة الإكسسوارات أو الملحقات المسرحية على الأدوات والأشياء التي تستخدم في تحقيق الأحداث المسرحية أثناء العرض . فالقتال يستلزم وجود مسدسات أو خناجر أو سكاكين ، أو الرسائل تنتقل عن طريق الخطابات المكتوبة واعترافات الحب تدعمها الهبات الرمزية . ومن هنا كانت الخناجر والخواتم وأكياس النقود والأطعمة من أكثر المهمات المسرحية شيوعاً على خشبة المسرح .
وتأثر الإكسسوارات في المتلقي بصرياً كونها تحمل دوال ذات مدلولات مختلفة ، فهي تؤدي دوراً علاماتياً واضحاً لكونها تحتوي على مجموعة مستقلة من العلامات التي تبرز اشتغالها بين الزي والديكور في العرض المسرحي ، وتتخلى الإكسسوارات عن وظيفتها كعلامة أيقونية لتأخذ وظائف أخرى أكثر قيمة في التعبير السيميائي ، فهي قد تلعب دور العلامة الإشارية ، حيث تقوم بعض أنواع الإكسسوارات المسرحية مثل التيجان والأسلحة والآلات الموسيقية وأدوات الحرف المختلفة بوظيفة دلالية أخرى وهي إشارة إلى مهنة أو حرفة صاحبها أو مكانته الاجتماعية وقد تلعب دور العلامة الرمزية ، أيضاً ، وكما في ( مسرحية النورس) ، يرمز النورس المحنط إلى نورس قتل في مدة وجيزة ، لكنه يدل أيضاً على فكرة مجردة في التطلع إلى الحرية وتدل تلك الفكرة بدورها على الحالة النفسية والاجتماعية .
وكذلك قد تتعدد الدلالات المسرحية في بعض المهمات المسرحية وذلك من خلال طريقة استعمالها كمفردة دالة ، مثلاً السيف كمفردة دالة يمكن استخدامه بحركات متعددة لإيصال دلالات مختلفة وعليه يستعمل لحركات القتال . وكذلك لحركات التحية.
ويدخل الديكور المسرحي ضمن العلامات البصرية الدالة ، فهو يقوم بوظيفة إشارية محدودة قد تقدرت فقط بحركات الممثل والطريقة التي يستخدم فيها تلك الحركات .
أن عمل الديكور كعلامة سيميائية ينطلق من مستويين الأول أيقوني والثاني رمزي إشاري ففي المستوى الأول يعبر فيه الديكور بواسطة علامات مطابقة للواقع وموجودات واقعية إذ تنطلق مفردة الديكور بلغة الواقع وتشكلها مادياً على الخشبة . أما المستوى الرمزي أو الإشاري فتأخذ العلامة تصنيفاً أخر لتبرر علامة الدلالة المسرحية المتولدة فيمكن أن يتحول الكرسي إلى رمز للسلطة .
ويعمل الديكور المسرحي على نقل عدد من المعلومات إلى المتلقي ، فهو يستطيع أن يحدد الموقع عن طريق المناظر والتشكيلات المركبة التي تلتزم بالدقة التاريخية في كل تفصيلاتها فيحاكي الأماكن العامة مثل البرلمان الروماني القديم أو ( كاتدرائية كانتربري ) أو دار الأوبرا الباريسية لكن المظاهر والشكلية الحرفية للديكور لا تمثل إلا نصف معناه ، ويتمثل النصف الأخر في المكان العام الخيالي الذي يحيط به والذي يتخيله المتفرجون مع واقع الديكور كمكان الأحداث .
وتقوم الإضاءة ايضا بدور بارز في إنتاج علامات بصرية دالة ، فهي تعطي قيمة سيميائية مهمة للعرض المسرحي ، فالإضاءة هي التي تخلق علامات المزاج وتوحي بالجو النفسي العام وتحدد مكان الحدث الدرامي على الخشبة في لحظات الفعل المسرحي كما تشير أليه . وتنشأ عن الإضاءة إيحاءات لونية وضوئية مع بنى جزئية أخرى كالممثل والديكور لتعطيها زخماً تعبيرياً ودلالياً واضحاً.
وتكمن إنتاج الإضاءة للدلالة المسرحية عن طريق ثلاثة عناصر رئيسية : السرعة ، ودرجة الحدة ، ونوعية اللون المستخدم ، فهذه العناصر هي التي تتحكم في تشكيل صورة العرض البصرية ، فكل من السرعة وحدة الضوء تشكل فاعلية الإيقاع البصري في الحدث الدرامي للعرض المسرحي . أما اللون فيمتلك قوة تأثيرية بصرية ، إذ يحمل اللون أهمية سيميائية فاعلة إذ يعمل نظامه في الاشتغال على توليد دلالات تعبيرية كثيرة . فيمكن أن يدل اللون على الثورة أو الحلم أو النار أو الغضب … الخ .
ثالثاـ كيفية اشتغال العرض البصري وتلقيه من قبل المتفرج .
يعتمد تكوين العرض البصري وتلقيه من قبل المتفرج على خمسة مبادئ أساسية هي :ـ
1ـ مبدأ التركيب .
2ـ مبدأ الترتيب والتنظيم .
3ـ مبدأ الكلية .
4ـ مبدأ الاستمرارية والتواصل .
5ـ مبدأ التزامنية ( أفق توقعات المتلقي ) .
حيث يتشكل العرض بصرياً من العلامات الدالة التي ترسم المظهر الخارجي ( الظاهري ) الذي يعبر عن مضمون داخلي متناغم مع الشكل الخارجي ، فالعرض البصري هو عبارة عن شريحة تتكون من مجموعة العلامات المرسلة في لحظة واحدة ، وهذه اللحظة الآن تسمح سلسلة الرسائل المركزية ذات الانتماء الشفري المختلف . بأن تتجمع بهدف دلالي موحد لإنتاج بنية حركية تشكيلية فاعلة وتأثرية ذات نظام مميز في اشتغاله لإيصال المعنى للمتلقي .
فأول المبادئ التي يعتمد عليها تكوين العرض البصري هو مبدأ ( التركيب ) ، أي تركيب مجموعة العلامات البصرية ( جسد الممثل ، الحركة المحاكاة الإيماءة ، ومظهره الخارجي ، المكياج ، الزي ، الإكسسوارات ، وشكل الخشبة ، الديكور ، الإضاءة … ) ، المتفاعلة بعضها مع بعض والمكونة لمجموعة الدوال المعبرة عن مدلول العرض البصري . أي أن العرض يجمع بين المكونات وتركيبها ضمن نسيج دلالي موحد عبر المسرحة لتؤلف منها بنية بصرية لماهية العرض . إذن فمن خلال مبدأ ( التركيب ) تتضح لنا الكيفية الأولى التي تبنى بها صورة العرض بمساحاتها وخطوطها وكتلتها وتقاطعها ، وتوافق ألوانها أو فضاؤها لكي يثير لدى المتفرج حالة شعورية لتلك المعاني التي يقصدها في مواقع العرض المسرحي .
ويدخل المبدأ الثاني ( الترتيب والتنظيم ) كعامل أساس في عمل المبدأ الأول ، فتترتب العلامات البصرية المتركبة في صورة العرض ، حيث يعتمد العرض البصري على هذا المبدأ في تكوين الدوال المكونة للخطاب المسرحي ، وتلك الدوال المترتبة تعتمد على قدرتها التوليدية للمتعة ” الجمالية ، عبر التنظيم الأمثل للكتل ، والتكوينات العائمة في فضاءات العرض ، أفقياً ، وعمودياً ، وعلى وفق مقاربة تنزع باتجاه استثارة أخيلة المتلقي . أي أن العلامات البصرية عندما تشكل مجموعة الخطوط الناتجة عن ترتيبها وتنظيمها سوف تخلق مجموعة من التأثيرات العاطفية لدى المتلقي ، فمثلاً ، الخطوط الأفقية تخلق مزاجاً يتجه نحو الهدوء والسكينة والسلام ، وكذلك الخطوط الخفيفة الانحناء ، أما الخطوط الشديدة الانحناء فتخلق مزاجاً بالعز والثراء والترف … الخ .
والمبدأ الثالث الذي يقوم عليه عمل العرض البصري فهو مبدأ ( الكلية ) ، وهذا المبدأ يعني أن صورة العرض المتركبة من العلامات تشاهد ككل متكامل وليس من أجزاء منفصلة ، أن عمل العلامات البصرية هو عمل كلي وليس جزئياً ، كل علامة على حده ، ومن خلال كلية العمل البصري تأخذ الجزئيات بالتمايز والوضوح داخل الكل بالنسبة للمتلقي . أي أن مبدأ الكلية ينطلق في عمله داخل العرض البصري من خلال بناء الكل المتكامل الذي يفقد فيه الجزء خواصه ، ولكنه يبقى يشترك مع الكل ويحافظ على وحدته ، ويدركه المشاهد كشبكة من المعاني ، كمعنى إيحائي .
و المبدأ الرابع ، الذي يدخل في عملية تكوين العرض البصري وتلقيه من قبل المتفرج ، فهو الاستمرارية والتواصل ، فلحظة العرض تنطلق من مبدأ الاستمرارية التي تعتمد على تواجد العلامات المتتالية والمتعاقبة للدوال المسرحية ، فجميع المفردات والعناصر المشتغلة في حقل إنتاج الدلالة لبنية العرض لا تأخذ موقعها إلا باتحادها وتكاملها في لحظة الحضور ، وتشكل عملية تتابع وتعاقب المفردات في زمان ومكان العرض للعنصر الإشاري المتمركز في الطاقة الاتصالية المعتمدة على مبدأ الاستمرارية والتواصل .
ونصل أخيراً إلى مبدأ ( التزامنية أو أفق توقعات المتلقي ) القائم على إنتاج الدوال المسرحية في العرض حسياً ( بصر ) وارتباطها بالمعنى العام ( المدلول ) الموجود في الذاكرة الجمعية لدى المتلقين ، حيث ترتبط تزامنية العرض البصري بعملية الإدراك والاستيعاب ، حيث تستطيع هذه البنية أن تبث مجموعة من العلامات المتعددة المجالات في آن واحد وتتحقق عملية إدراكها وتلقيها على مستوى تنوع الأشياء وكثرتها في العرض . أي أن العرض البصري يشمل في وقت واحد على الصورة الدالة بوصفها بنية معطاة ، وعلى إدراكها ، حيث يتشكل المعنى النهائي للعرض من خلال اتحاد أفق التوقع المفروض في العرض ، وما يقابلها من أفق التجربة المفروضة في ذهن المتلقي الذي يقع عليه تحقيق الصورة النهائية من خلال التطابق النهائي بين مجموعة الدوال البصرية في العرض المسرحي ومدلولاتها في ذهن متلقي العرض .