يتمحور خطاب (ما بعد 2003/ ثقافة التغيير) في نص (روميو وجوليت في بغداد) الذي أعده واخرجه (مناضل داوود) عن مسرحية (روميو جوليت) لوليم شكسبير ، على فكرة الصراع الطائفي الذي تولد في الساعة العراقية بعد عام (2003م) أي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ، إذ يتناول السنوات التسعة أثرت بشكل كبير في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية في العراق ، إذ عمل (المعد) على تقديم مسرحية الكاتب الانكليزي بشخصياتها المعروفة (روميو ، جوليت ، مركيشيو ، تيبالت ، بارس) لكن بملامح عراقية ، أما موضوع المسرحية فقد قدم الحكاية الشكسبيرية بأحداث عراقية أراد من خلالها تسليط الضوء على مرحلة معاصرة من تاريخ لعراق بعد (2003) كان الهدف منها كشف ملامح الصراع الذي قام في الساحة الثقافية والاجتماعية العراقية ومن يقف وراء إذكاء الفتنة الطائفة فيه والإطراف المستفيدة منه، إذ سعى (المعد) إلى العمل على طرح إشكالية الحدث والمرجعيات الإيديولوجية ومن يقف في دعمها والتأسيس لها في الساحة العراقية.
إن الخطاب (ما بعد 2003 / ثقافة التغيير) الذي طرحه النص الجديد ، هو البحث في التمثيل الثقافي الجديد للطوائف العراقية ، وجعل الثقافة الجديدة في الواقع العراقي تنطلق نحو التفرقة والتجزئة لتكون مستلبة ثقافياً وسهلة الانقياد لما يراد أن تكون عليه ، لتشكيل جغرافيا جديدة أراد الخطاب الكولونيالي تأسيسها بعد (2003) ويتم تطبيقها بأيادي محلية لكن بأفكار ورؤى خارجية ، إذ يتضح هذا الموقف ما بعد الكولونيالي من خلال حوارات شخصية أستاذ التاريخ ، الذي قال كلمته منذ البدايات الأولى في النص المعد : سيمضي وقت طويل حتى ندرك بعده فداحة ما حصل وآسفا بلادي ماذا دهاك غدوتي قاحلةً لا تشبهين طموحنا ، مالي أراكِ تبتهجين للظلام ، كلا أنا لا انتمي إليك، وهذه المفردات الواردة على لسان شخصية أستاذ التاريخ تناقض ظاهر الوعود الأمريكية التي السلطة الكولونيالية من حرية وديمقراطية ورفاهية. وهنا يحاول المعد كشف حقيقة المخفي من الخطاب الثقافي الكولونيالي وأهدافه الحقيقة في الساحة الثقافية العراقية ، من خلال شخصية أستاذ التاريخ المقحمة على النص الأصلي في إشارات ما بعد كولونيالية أرادها المعد أن تكون بموازاة الخطاب الكولونيالي، إذ يقول (أستاذ التاريخ) أريد رائحة النخيل لا دخان الحروب ، اشتهي ليل العاشقين ليل المحبين. أنا ماء الحياة ، أنا الأول ، أنا الوريث الشرعي ، أنا البلاد ، أشهدكم جميعاً علي إن انتمائي الوحيد في بغداد لـ(روميو وجوليت) ، للحب. وهذه الإشارات هي التذكير بأصالة العراق وحضارته وتاريخه ، وان العراقي هو الوريث الوحيد لهذه لحضارة وليس للطائفية التي أشعلها الاحتلال وخطابه في الساحة السياسية والثقافية ، فالعراقي لا يسعى لرائحة الحروب التي أقحم فيها زمن طويل ، بل هو يسعى لرائحة النخيل ، وانتمائه الوحيد فيها للحب والسلام ، وليس للقتل والفرقة.
إن العلامات التي تكشف وتفكك الخطاب الثقافي الطائفي في النص المعد عديدة وفي مشاهد مختلفة ، ففي المشهد الثاني بعد أن تتحدد ملامح الصراع بين جماعتين ينتميان إلى فرقتين دينيتين في العراق ، إذ تتصارعان على الحكم العراق والمعد يمثلهما بعائلة (روميو) وعائلة (جوليت) ، فعائلة (جوليت) هي التي كانت تحكم في العراق على وفق مرجعية دينية ، وعائلة (روميو) هي المحكومة على الرغم من تمثيلها الواسع من حيث عدد السكان ، وبعد (2003) تتبدل المعادلة وينطلق الصراع بينهما ، والربط الوحيد بينهما هو الحب الذي أكد عليه (أستاذ التاريخ) الذي يربط (روميو بجوليت).
إن المعد يرجع سبب الصراع إلى أبعد من (2003) إلى الخطاب الطائفي القديم وبتمثيل بريطاني ، إذ هو أول من أسس لهذا الخطاب في الساحة العراقية بعد ثورة العشرين ، ولكن الخطاب الطائفي الجيد التدخل الخارجي الجديد هو من فعّله بعد (2003) ، حتى أن النص يركز على الخطاب الجديد ودوره في هذا الصراع من خلال تكرار فترة السنوات التسعة والتي ذاق من خلالها عائلة (روميو) حلاوة القيادة وذاقت عائلة (جوليت) مراراتها بسبب خسارتها للسلطة، حتى أن عملية الانتقام والثأر بين العائلتين أصبحت هي السمة الأولى والأخيرة في حوار شخصيتي والد (روميو) ووالد (جوليت).
لقد قام النص على التذكير بالخسارة الكبرى بين العائلتين نتيجة تمسكها بالخطاب الطائفي وتبنيهما نهجه الخطير على النسيج الاجتماعي والثقافي ولاسيما في سنوات ما بعد التغيير الأخيرة ، إذ جعل والدة (روميو) تذكر زوجها بعدم جدوى هذا الصراع وصعوبة تحقيق الأهداف ، وكذلك يأتي التذكير أيضاً على لسان (أستاذ التاريخ) للعائلتين بأن التاريخ لا يرحمهما على ما يقومان به ، فلابد من التفاهم من أجل الوصول إلى المشترك وهو الحب حب (روميو لجوليت).
كما يتطرق النص في خطابه إلى مسألة التدخل الخارجي المدعوم ، الذي مثله بشخصية (بارس) ويريد أن يتزوج (جوليت) وجعله المعد من المتطرفين والمدعين للجهاد في (سبيل الله) بحيث يقنع عائلة (جوليت) بضرورة أتباعه في تكفير الآخر والقصاص منه ، حتى أنه يحرم كل شيء في حياة العائلة التي حزنت على ابنها (تيبالت) الذي قتل في حادث مجهول كأن للتطرف دوراً فيه، ولكن اتهم بدمه (روميو) ، فالمتطرف (بارس) يحرم الحزن والبكاء ويحرم زيارة قبر الأبن ويأمر بقتل (روميو) ، ويصرح بأن قدومه من أجل تخليص أهل الرافدين من دنس هذا الملة ويقصد بها عائلة (روميو) ، ولكن الخطاب اللاطائفي في النص يحذر من هكذا مشاريع للفتنة ومرة أخرى يتكلم هذا الخطاب على لسان (أستاذ التاريخ) الذي ينهر عائلة (جوليت) ويحذرهم من خطورة الإصغاء الى مثل هكذا تدخلات هي في الأصل غريبة عن ثقافة أهل الرافدين ، وتتوج تدخلات (بارس) المتطرف في المشهد الأخير بتفجير كنيسة (سيدة النجاة) التي يلجأ إليها (روميو) بعد اتهامه بقتل (تيبالت) وتحاول (جوليت) اللحاق به ، وفي لقاء أخير دار بينهما يأتي (بارس) بحزامه الناسف ويفجرها وهم في داخل الكنيسة.
إن خطاب النص يكشف إليه صناعة التطرف التي تنطق بها مربية (جوليت) والتي تكشف من خلال لقائها بـ(روميو) أنها من أجل أن يعود لها جمالها بعد ما فقدته لأجل (جوليت) فأنها بإمكانها أن تذهب الى أوربا وتعتنق التطرف من أجل أن تكسبها السفارة الأمريكية وتجندها وترسلها إلى العراق وتجعل من شركة (بلاك ووتر) هي من تحميها وتروج لها من خلال التجارة التي توظف لخدمتها من أجل تطبيق فكرها المدعوم بالخطاب الكولونيالي الجديد ، وكأن (المعد) يكشف عن خارطة طريق لتجنيد المتطرفين وإرسالهم إلى العراق تحت رعاية غربية لهذا المشروع الذي يزيد من مأساوية الحدث العراقي.
إن النص يركز في خطابه على الاختلاف بين الخطابين الطائفي واللاطائفي الذي يظهر المغيب من الحدث في حضرة الخطاب المعلن وحضوره في التمثيل الثقافي الذي يعمل الخطاب الطائفي ترويجه في الداخل ، وهنا أراد (المعد) أن يفكك هذا الخطاب ويكشف زيفه ويثبت في إظهار المغيب من الحدث لتأكيد أشكال المعرفة التمييزية ، التي أراد الخطاب الأمريكي العمل بها على وفق السلطة المركزية التي تريد أن تجعل الهامش أو التابع دوماً مهمشاً وممزقاً وبعيداً عن ثقافته الأصلانية التي محورها السلام والأمان والحب الذي عبر عن الانتماء إليه (أستاذ التاريخ) ، كما إن المعد عمل على الاستفادة من توظيف عنوان مسرحية (روميو وجوليت) ومتنها الحكائي من أجل أن يجعل تفكيكه للمشروع الامريكي يأخذ أبعاداً عالمية من خلال النص الشكسبيري ورؤية المعد الجديدة.
وفي العرض المسرحيلمسرحية (روميو وجوليت في بغداد) يتأسس خطابه ، على تفكيك التمثيل الثقافي الجديد الذي أراده الخطاب الأمريكي الجديد تشكيله في الساحة الثقافية العراقية ، وكذلك تفكيك شكل الجغرافية الثقافية الجديدة بعد (2003) التي رسمت على أساس التفرقة بين أبناء الشعب وزرع الفتن الطائفية على أرضه.
فالعرض المسرحي يبدأ بأصوات إطلاق النار كثيف بين مجموعتين متقاتلتين مع إضاءة تدل على أضواء فوهات البنادق مصاحبة لأصوات صراخ وأصوات سيارات الإسعاف ، ثم ينتهي هذا الحدث بقطع الأصوات ، واشتغال الإضاءة لتكشف عن مجموعة أجساد تشكل تماثيل تعبر عن طريقة الصراع ، وانتماءات المتصارعين الطائفية ، وهول الصراع بين الطائفتين الممثلتين في العرض المسرحي (بعائلة روميو) و(عائلة جوليت).
يستخدم المخرج ديكور عبارة عن اسطوانة تمثل فوهة المدفع مع قطعتي ديكور على شكل مكعبين تشكل جانبي المدفع يقف فوقها رجلا أمن ، وهم ينظران إلى الصراع الطائفي دون أن يحركا ساكناً في الصراع ، وهنا دلالة ما بعد كولونيالية يريد المخرج أن يذكر بتحويل دور رجال الأمن من حفظ الأمن إلى المتفرجين عليه وفي مشاهد يدخل رجل الأمن في حسم الصراع الطائفي بين المتصارعين ، وهذا ما يريده الخطاب التقسيمي الجديد في تحييد رجال الأمن من أجل أن ينمو الصراع الطائفي ، ويتطور نحو الأسوأ بين أبناء الشعب الواحد واستبدال لغة الحب والسلام بلغة الحروب والقتال والتفرقة.
بعد أن يتشكل الصراع في العرض من الأجساد التي تشكل انتماءاتها الطائفية ، يدخل (الأستاذ) أستاذ التاريخ في أداء مترقب ينظر إلى الأشكال النحتية الجسدية وكأنه يدون مشاهدته للتاريخ عن شكل وطبيعة الصراع بين أبناء الشعب ، وكأن المخرج يريد في خطابه ما بعد الكولونيالي أن يكشف عن حجم المأساة ، وتأكيدها من خلال التعليق الصوتي والحوار الذي يلقيه الأستاذ بطريقة تعليقية على الحدث لتـأكيد صورة الصراع في ذاكرة الجمهور الذي يجلس في شكل مربع ناقص ضلع ولا يفصله عن خشبة التمثيل شيء ، وهنا يريد المخرج أن يحقق تواصلاً وتفاعلاً مباشراً بين الجمهور ، والعرض المسرحي ، بعد ذلك يتحول الأداء الذي يقدمه أستاذ التاريخ من التعليق على الحدث إلى إدانة الحدث من خلال لغة خطابية بأسلوب تحريضي ضد ما حصل ويحصل ، وفي نهاية خطبته التحريضية يعلن بأنه ينتمي في بغداد إلى (روميو وجوليت) إلى الحب والسلام وليس لغة السلاح والقتل.
عمل المخرج من خلال تعليق أستاذ التاريخ على كشف ثنائية الحضور والغياب من خلال زعزعة مفاهيم الحضور ومفرداته ، التي أراد زرعها في الثقافة الأصلانية والتركيز على الاختلاف الثقافي بين الخطابين الكولونيالي وما بعده لصياغة تفسيرات والوصول إلى المعاني العميقة ، التي يخفيها الدال واختلافه عن المدلول من حيث وقوع الخطاب الأمريكي الجديد في الإختلاف بين المعلن والمخفي.
وفي المشهد الثاني يظهر العرض طبيعة الصراع من خلال إن من يقوده ليس العقل بل العاطفة في المطالبة بأحقية الحكم لعائلة (روميو) العائلة الكبير أم لعائلة (جوليت) العائلة الصغيرة ، وهنا يرمز المخرج بالعائلتين إلى الطائفتين المتصارعتين في العراق على الحكم فيه ، ويظهر بأن من يسهل على استمرار الصراع هم (أولاد) العائلتين ، إذ يظهر في هذا المشهد الصبية ، وهم يحملون السلاح ويؤدون الحركات الجسدية الغاضبة ضد الطرف الآخر والآباء ينطلقون خلفهم في دعم للصراع بين الطرفين من حيث توزعهم بين قطع الديكور التي تصور شكل فوهة المدفع ، وكأنهم يؤيدون الخطاب الطائفي حتى ينفض الصراع بين الطرفين وينسحب الجميع ويبقى على المسرح فقط والد (روميو) والذي يرأس العائلة الأكبر ووالد (جوليت) الذي يرأس العائلة الأصغر ، لينطلق الأداء بينهما في عرض تصويري لخلفية الصراع ومرجعياته التاريخية ، التي تعود إلى ثورة العشرين ويصاحب هذا العرض تقديم حركات أدائية للمجاميع التي تقدم عرض أدائي لعملية الصيد وقيادة المركب والمقتبسة من ممارسات الصيد في الخليج العربي وتحديداً في موانئ البصرة وهنا يعطي المخرج إشارة أخرى بأن يصور ساحة الصراع على قيادة المركب ، وهو إشارة الى الصراع على الحكم في العراق، ويستخدم المخرج صوت آلة (الخشبة) التي تتصاعد مع حدة الصراع بين الطرفين. في هذا المشهد يصاغ الخطاب ما بعد الكولونيالي في تشكيل صورة الأداء التمثيل من حيث الكشف عن الأهداف ، التي تجعل جسد المؤدي حاملاً لخطاب التفرقة ،أي في تشكيل صورة الجغرافية الثقافية الجديدة المبنية على التأجيج الطائفي وتغييب العقل في الصراع ، وفي هذا المشهد يكشف المخرج من خلاله على جملة أهداف تقسيمية لتفكيكها وفضحها وهي :-
الصراع من أجل السلطة الذي يعتقد كل طرف أحقيته في الوصول إليها.
الذي يحكم يسعى إلى إلغاء الآخر في فترة حكمه ، دون أن يعطيه أي حق من حقوقه.
استثمار هذا الصراع في الخطاب الامريكي من أجل السيطرة على الأطراف المتصارعة من خلال التفرقة.
كشف حجم الصراع ، ودوره في تمزيق النسيج الاجتماعي ، والثقافي بين المتصارعين.
الاستفادة من المرجعيات التاريخية والإيديولوجية ، التي تشكل منها الصراع الثقافي والاجتماعي في الساحة العراقية.
وفي مشهد آخر يستمر فيه التأكيد على إن من يسهم في إشعال الصراع هم الصبية حينما يكون السلاح مباحاً في أيديهم ، ولكن هذه المرة بإضافة عامل جديد يجعل من الصراع يأخذ أكثر أبعاداً طائفية ، وهو دخول شخصية (بارس) الذي يخرجه المخرج بزي المتطرف ، والذي يدعي الجهاد في (سبيل الله) ، حيث يكشف الزي القصير مع (اللحية الطويلة) إلى الانتماء الفكري والإيديولوجية (لبارس) ، وهو يقود (تيباليت وصديقه) نحو التطرف وتكفير الآخر (عائلة روميو) وانقياد (عائلة جوليت) لدعواته في الخلاص من (عائلة روميو) ، لأنها فئة خارجة عن الدين ، حيث يكشف المخرج في هذه الشخصية دورها في تنفيذ المخططات الكولونيالية في العراق ، ويتشكل هذا المشهد من شخصيات أربعة هم (والد جوليت) الذي يقدمه المخرج ، وهو يجلس على كرسي العوق في دلالة على الفكر المريض الذي ينساق وراء تطرف (بارس) الذي يظهر في أداء صوتي وجسدي حاد ومتشنج ومن خلفه (تيباليت وصديقه) اللذان يؤديان نفس الحركات مع حمل السلاح (المسدس) واستخدامه في ترويع كل من يقف ضد مخططاتهم ، وبعد انسحاب الجميع وبقاء (والد جوليت) وحده في المسرح ، يظهر (أستاذ التاريخ) ولكن هذه المرة بشخصية الضمير الذي يخاطب والد جوليت بخطورة هذا الفكر المتطرف وعدم المساومة بمصير (جوليت) من أجل الحكم والانتصار على (عائلة روميو) ، وأن هذا الفكر المتطرف سوف لا يفرق بين احد في هذه البلاد ، وهذا ما يؤكده الخطاب ما بعد الكولونيالية في العرض في المشهد التالي الذي يتحول فيه الديكور من فوهة المدفع إلى تشكيل صورة الجامع ، وذلك بإيقاف الاسطوانة بشكل طولي وإنزال قبة خضراء فوقها ودخول مجموعة من المؤدين الذين يجسدون (حلقة الذكر) ، وهي من الطقوس العراقية التي تصاحب المناسبات الدينية ، ويدخل إلى هذه الحلقة (بارس) المتطرف ويصف ما يجري بالكفر والانحراف عن الدين الذي يفهمه على طريقته الخاصة.
وفي مشهد اللقاء بين (روميو وجوليت) يتشكل الديكور من المكعبين ذات السلالم و(روميو) يجلس أمامها وجوليت تصعد المدرجات لتقف إلى الأعلى في زي المرأة البغدادية التي تتزين بالملابس الشرقية الطويلة ، ويتم اللقاء في حركات جسدية إيمائية تدلل على اللقاء الحميم الذي فقد منذ تسعة سنوات بين أبناء البلد الواحد وهنا إشارة إلى الوضع الاجتماعي المتأزم بعد الاحتلال الأمريكي ، إذ يظهر في المشهد اللاحق هذا الوضع المتأزم من خلال التكوينات الجسدية الدالة على طبيعة الصراع النفسي بين الخطابين في داخل الشخصيات ، فتظهر والدة (روميو) وهي ترتدي زي الممرضة في المستشفى وتكشف في حوارها عن نزف الدم المستمر ، وفي رقبتها مصباح دائري وكأنه يكشف عن دواخلها الذي يظهر المقطع السفلي للوجه ومنطقة أعلى الصدر وباقي أجزاء الجسد معتمة. كذلك الحال بالنسبة لوالد (روميو) الذي يدخل من وسط الجمهور ويسحب بيده (حامل كيس الدم) الذي يستخدم في المستشفيات ، وكأنه يصور بأنه بحاجة إلى دماء أخرى ، تتقاطع الشخصيتان في داء جسدي وإيقاع بطيء ، وفي رقبته مصباح أيضاً وكذلك يظهر في المشهد والد (جوليت) ، وهو مقعد على كرسي المعاقين ، ويتكلم بصوت خافت عن الحكم المفقود وفي رقبته المصباحنفسه. وهذه الشخصيات الثلاثة تظهر في عتمة كاملة ، وكأنها تخاطب نفسها دون توجيه الكلام إلى بعضها البعض.
ويتكرر بعد ذلك لقاء (بارس) المتطرف مع والد (جوليت) لتأكيد الخطاب المتطرف ويتبعه في ذلك (تيباليت وصديقه) ، وبعد خروجهم من المسرح تظهر (جوليت) ومربيتها لترتيب اللقاء مع (روميو) من أجل عقد الزواج الذي يباركه (أستاذ التاريخ) الداعي إلى نبذة التطرف ، والذي يكون شاهداً عليه فيما بعد.
وفي مشهد اللقاء بين مربية جوليت وروميو وأصدقائه من أجل الزواج ، يسلط المخرج في هذا المشهد الضوء على مأساة إنسانية تمر بها المرأة العراقية التي أصبحت بسبب الظروف الإنسانية الصعبة ، وهنا تحاول المربية أن تستعرض بأدائها الجسدي أنوثتها المفقودة أمام الثلاثة ، حتى اعتقدوا بأنها تريد أن تتجسس عليهم من قبل عائلة (جوليت) ، لكنها تستعرض أمامهم الكيفية التي تستطيع من خلالها أن تصبح جاذبة لهم ،وبعد التهكم عليها ، تستخدم أسلوب (بارس) الذي أصبح رائجاَ في السيطرة على الآخرين وتكشف عن الآلية إذا طبقتها بإرتدائها زي التطرف ستحصل على دعم الغربي وبحماية أمريكية عن طريق (بلاك ووتر) لتكوم قادرة على جذب الشباب لجمالها الذي فقدته إذ تقدم هذا المشهد بمصاحبة أداء جسدي يرمز إلى رجال (الكابوي الأمريكي) في استخدام السلاح ، وبعد ذلك تخرج المربية من أدائها السابق لتكشف عن حقيقة مهمتها في ترتيب عقد لقاء الزواج ، ويتم في مشهد آخر عقد الزواج بعد أن يتبدل الديكور من مشهد فوهة المدفع إلى تشكيلة أخرى تدلل على الفرح من خلال تزيين المكان بقطع القماش التي تغطي بها السلام وتحويلها إلى مدرجات يجلس عليها (روميو وجوليت) ومن حولهم المجموعة ومن بينهم (أستاذ التاريخ) ويدخل في هذا الاحتفال بعض الحركات الأدائية التي تصاحب الأفراح الشعبية في العراق ، وقطع مراسيم الزواج دخول والد (جوليت) الذي يتهم (روميو) بخروجه عن قواعد الزواج على وفق الأعراف الاجتماعية وزواجه بـ(جوليت) دون علم أهلها ، وهنا يتدخل (أستاذ التاريخ) الذي يشير بأن الأعراف الاجتماعية معطلة بسبب الصراع الطائفي و(روميو) بفعلته هذه وبمباركة من (أستاذ التاريخ) أراد أن يغير من طبيعة الصراع من التأزم الطائفي إلى اللقاء تحت خيمة المحبة والسلام ، ويدخل في هذا المشهد والد (روميو)الذي يرتدي الزي العربي والأم ترتدي زي المرأة العراقية التقليدي ، ولكن لغة التطرف والصراع تعود ويتشكل ديكور الصراع بالعودة إلى فوهة المدفع ويسعى (تيباليت) إلى قتل (روميو) ، ولكنه يقتل (مركيشيو) ويحاول (روميو) أن ينتقم لقتل صديقه لكن الذي ينفذ قتل (تيباليت) من فوهة المدفع (بارس) في إشارة إلى إن من يؤجج الصراع الطائفي أطراف أخرى على وفق مخططات مرسومة سلفاً ، مما يدفع والد (جوليت) بالانتقام من (روميو) الذي يرشده (أستاذ التاريخ) بالاختباء في كنيسة (سيدة النجاة) ، وعند معرفة (جوليت) بمكان اختبائه تذهب للقائه إذ يتحول الديكور لتشكل الاسطوانة بشكل مقطع طولي ينزل فوقها (جرس) كبير للدلالة على الكنيسة ومكان العبادة الذي يلاحقه الفكر المتطرف، إذ يفجر (بارس) المتطرف المكان الذي يدخل إليه وهو يرتدي حزاماً ناسفاً ويقتل في داخل المكان (روميو وجوليت) لتصل بعد الانفجار العائلتين ويقفا على جسدي (روميو وجوليت) ويدخل (أستاذ التاريخ) ليذكر مرة أخرى بنتائج الصراع ليسعى الى بناء صورة جديدة يفترضها المخرج في نهاية العرض من خلال مسك يد الأبوين من قبل (أستاذ التاريخ) في مشهد تصالحي وفي مكان مقدس هو الكنيسة ، ليؤكد المخرج في نهاية العرض انتماء المكان إلى الثقافة العراقية وعودة التصالح والتسامح ينطلق منه ، بعد أن أصبح هدفاً (لبارس) المتطرف الذي يحاول أن يسهم إخراج أبناء الديانة المسيحية من أرض العراق بدعوى التكفير.