تتمركز فكرة خطاب نص مسرحية (العرس الوحشي) للمؤلف (فلاح شاكر) على فكرة الاغتصاب ، الذي يؤدي إلى إنجاب طفل يصبح علامة دالة في ذاكرة الأم لعملية الاغتصاب الوحشي ، وهنا يقدم المؤلف مستوى آخر يرمز من خلاله الى اغتصاب الحضارة العراقية التي رمز لها بالأم والطفل المشوه ، هو عملية قصدية لتشويه الثقافة الأصلانية العراقية ، فالمسرحية مقتبسة من رواية (العرس الوحشي) للروائي الفرنسي (يان كيفليك) التي تتناول قصة فتاة فرنسية تعرضت للاغتصاب من قبل جندي أمريكي ورفاقه ، على رغم من وعوده بالزواج منها قبل الحادثة ، ولكنه يستدرجها إلى القاعدة الأمريكية في فرنسا لارتكاب الجريمة الاغتصاب الجماعي بحقها ، حيث تبدأ الرواية بمشهد اعتداء تتعرض له فتاة صغيرة إلا أنها تحمل في داخلها أحاسيس امرأة ناضجة وتنتج عن هذه الحادثة طفل يمنح اسم (لودفيك). تتولى الأحداث بعد ذلك فيكبر الطفل وينمو ، وينمو معه بإحساسه بالاضطهاد والاهانة على الأخص بكراهية الأم وجميع المحيطين به ، فيقضي حياته محروماً من أبسط كلمة حب ومحروماً أيضاً من التعبير عن أحاسيسه ومشاعره ، وفي النهاية تحل لحظة اللقاء ، اللقاء الحقيقي الوحيد مع أمه إلا انه اللقاء الأخير أيضاًوتنتهي الرواية بإغراقها في البحر.
إن لحظة اللقاء الأخير هي التي يبدأ بها المؤلف أحداث مسرحيته (العرس الوحشي) ، إذ يركز فيها الكاتب الذي ألفها في سنة (1991) على موضوعة القبح الأمريكي الذي تمثل في حادثة الاغتصاب بطريقة وحشية وبقيادة أمريكية لمجموعة من الجنود الذين تعددت جنسياتهم ، وهنا يرمز المؤلف إلى حرب سنة 1991 التي كانت بقيادة أمريكية لقوات متعددة الجنسيات وما نتج عن الحرب من دمار للبنى الثقافية والاجتماعية العراقية.
ينطلق الصراع في النص بين الخطابين الكولونيالي الذي يحمل مفاهيم ثقافية مجسدة في صورة الاغتصاب الذي أفرز الاستلاب الثقافي ومحاولة زرع ثقافة جديدة في جسد الثقافة الأصلانية ، والتي يرمز لها بالطفل الذي هو نتيجة حتمية للاغتصاب ومحاولة ترهيب الجسد ثقافياً على وفق منطق القوة لتكوين ثقافة جديدة مشوهة وإنتاج هجين يذكر ويدين فعل التغيير الثقافي في الأصل المغتصب والمغيب ، وفي المقابل يسعى الخطاب ما بعد الكولونيالي الذي أنتجه النص في تفكيك الثنائية القائمة على المركز والهامش والحضور والغياب ، ذلك من خلال رفض الاغتصاب الذي أنتجه العقل الغربي ، متمثلاً بأمريكا الكولونيالية والبحث في قلب المعادلة من خلال تأكيد الغياب وإدانته للحضور المغتصب من خلال رفض الطفل ، والعمل على تأكيد العلامة المكونة للاختلاف الثقافي وأثرها النفسي الذي هو نتيجة رفض وجود الطفل في حياة الأم ، وما يمثله هذا الطفل من الإرباك الثقافي الذي يحاول الخطاب الكولونيالي فرضه على الثقافات الأصلانية ومن ثمّ إلى إرباك التاريخ الثقافي للشعب العراقي ، وهنا يصبح شكلاً من أشكال التمييز المعرفي المقحم في الثقافات الأخرى.
في صورة هذا الصراع بين الخطابين ودلالاتهما يصاغ النص ويصور الأحداث التي تقع في (عبّارة) راسية في إحدى ضفاف دجلة فهو يمثل بهذه (العبّارة) التي تقع فيها أحداث الاغتصاب والولادة معاً ، علامة دالة على مكان استلاب كرامة (الأرض العراقية) وحادثة الاغتصاب وإنجاب طفل مشوه هي حالة اغتصاب للهوية والثقافة الأصلانية من أجل إنجاب ثقافة مشوهة يرمز إليها بالطفل ذات الجينات الوراثية الأمريكية.
مع استمرار الأحداث تحاول (الأم) مغادرة المكان المهجور مع صغيرها ، فالابتعاد عن (العبّارة) يعني الابتعاد عن الماضي عن الاغتصاب (الاحتلال) ، الذي لم تستطع الخلاص منه مادام صغيرها معها ويذكرها به ، فهو يريد أن يستعطفها بكلمات الحب والحنان ، لكنها ترفض ، لأنها لا تستطيع أن تنظر في عينيه ، لأنه يذكرها بصورة الأب أو الآباء الذين زرعوه في رحمها غصباً ، ففي أكثر من مرة تحاول أن تمنحه الحب لكنها تعجز في ذلك حتى إنها في إحدى محاولاتها تصفعه وتذكره بأنه (أمريكي قذر) ، وهذا القول يكشف عن مدى البشاعة التي تعرض لها من مغتصبيها بعد أن وثقت بقائدهم (الأمريكي) ، فهذا المولود الذي هو إشارة بأنه ذات تمثيل ثقافي أمريكي والمشوهة للحضارة الأصلانية ، لكنه يرى بأنه عراقي من صلب أمريكي ، أما الأم فتنسبه إلى البحر إلى (جنود البحرية الأمريكية) الذين استباحوا الأرض والعرض في كل مكان يذهبون إليه.
إن فكرة الرفض تتنكر لهذا (الصغير) الذي هو نتاج فعل غير رجولي واستفراد بكائن ضعيف (الأم) ، هو تذكير مستمر لعملية الاغتصاب بل تصفه الأم بأنه اغتصاب ثانٍ مستمر تراه كل يوم أمامها حتى إنها حاولت أن تتخلص منه وهو في بطنها ، لكن القدر منعها ذلك ، فأصبحت صورته علامة للاغتصاب في تاريخها.
إن المؤلف يرمز في تحويل فعل الاغتصاب إلى عملية (جلد) وآثار الجلد هو الطفل ، فهو أمامها دوماً حتى إنها تخيلت بأنه سيقوم بنفس فعلت الأب معها مما يدعوها ذلك إلى رفضه ونبذه ومحاولة الابتعاد عنه ، لأنه عارها الماثل أمامها ، فهو يصف نفسه بأنه عارها لذلك حاولت قتله أكثر من مرة عن طريق الإجهاض أو عن طريق تقديم طعام رديء له بعد ولادته لكنها لم تنجح ، وهي سعت أيضاً ، وكما في المشهد السابع بوضعه في (مستشفى المجانين) لكنها لم تنجح أيضاً ، إلى أن تنتهي المسرحية بخلاصها من نفسها ومنه بالغرق في النهر ، وهذه النهاية هي مشابهة لما في رواية (كيفيلك).
إن نص مسرحية (العرس الوحشي) لفلاح شاكر الذي يسلط الضوء على أبعاد سياسية وثقافية ويقاربها مع ما تعرضت له الثقافة العراقية من انتهاك على يد الكولونيالي الجديد المتمثل بأمريكا ، حتى أن المعنى في نص فلاح شاكر لا يكمن في القصة المباشر وفعل الاغتصاب والطفل الذي هو نتيجة لذلك ، بل أن المعنى هو أعمق من ذلك فهو يكمن في صورة اغتصاب الثقافة العراقية ومحاولة تهجينها ومن ثمّ تصبح ثقافة محاكية وليست أصلانية ففعل الاغتصاب ولّد هوية محاكاتية للثقافة الغربية وهو الطفل المشوهة ، فهذه الهوية الجديدة هي ليست أصلانية بل هي هوية مشوهة وهذا التشويه ناتج عن المحاكاة والتبعية ومن ثمّ فأن ممارسات الرفض المستمرة للخلاص من الثقافة الدخيلة (الطفل) هي حالة أرادها المؤلف وهدف إليها في مسرحية (العرس الوحشي).
إن نص مسرحية (العرس الوحشي) يخرج من الإطار التقليدي في البناء الدرامي الأرسطي أو الأيهامي لكونه يغاير هذه البنية في تصاعدها الدرامي ، فهو يعمل على تقديم مشاهد غير متسلسلة من حيث البناء الهرمي ، فهو يبحث في الماضي الذي تعد عملية الاغتصاب هي النقطة التي يتمركز فيها الخطاب ما بعد الكولونيالية للنص ، والتي يدور في فلكها النص ويحاول البناء الدرامي التركيز عليها ، وعدم التركيز على الأحداث وترابطها الزمني في (العرس الوحشي) ، وشخصية (الأم) التي وقع عليها فعل الاغتصاب فتحاول أن تقدم ملامح الاختلاف الثقافي في بناء أفعالها كونها من الناحية الأولى مغتصبة وأنجبت طفل نتيجة لهذه العملية ، ومن ناحية أخرى هي ترفض هذا الفعل مما ينعكس ويكشف مدى الصراع الذي يقع في داخلها خطاب ما بعد الكولونيالية.
أما في عرض مسرحية (العرس الوحشي) ، يتأسس خطاب ما بعد الكولونيالية على كشف الخطاب الكولونيالي ، وفضحه ، وتفكيك أفعال الاستباحة التي مارسها ضد الآخر وثقافته الأصلانية من حيث عمل على إخضاع الثقافة الأصلانية على وفق منطق القوة في ممارسة عملية الاغتصاب الثقافي.
لقد عمل المخرج من خلال فضائه المسرحي أن يجعل الديكور المسرحي يحاكي إحدى عبارات البحرية الأمريكية وجعلها في إشارة إلى المكان المنتهك ، إذ تطفو على شاطئ أرض عراقية ، فالمكان الذي يتشكل من ثلاثة أعمدة في أعلى المسرح وصندوقي عتاد ذات استخدامات متعددة بحسب المشاهد (وطشت) مليء بالماء وجوانبه مغطاة بغطاء عسكري يستخدم لتمويه الأعداء في الحروب.
يعمل المخرج في مشاهد عرضه المسرحي على استجواب الفعل الكولونيالي عملية الاغتصاب وصولاً إلى كشف هذا الفعل من أجل الوصول إلى التحرير الثقافي الأصلاني من التمثيل الكولونيالي.
فالمشهد الأول يبدأ بالمخاض الذي تؤديه المرأة ، وهي تقف على أحد الصندوقين في حركات إيحائية مع تسجيل صوتي واللون الأزرق الشاحب وأمامها كيس أبيض في داخله شخصية المولود ، وحينما تبدأ المرأة بسحب الكيس الأبيض نحو جسدها تبدأ إضاءة حمراء في داخل الكيس وكأنه يتحول إلى رحم المرأة التي تبدأ عملية المخاض ، ثم الولادة التي على أثرها ترمي الوليد بحركة قوية الى الأمام ، وكأنها تعطي إشارات الرفض لقدومه إلى عالمها ، إذ تعتقد بأنه قد زرع في رحمها غصباً ، في دلالة ما بعد كولونيالية لرفض القادم الجديد الذي يمثل ثقافة الغرب (جنود البحرية الأمريكية) ، هذا الوليد المشوه من خلال التحدب في ظهره ومشيته المنحنية التي يؤديها. تحاول المرأة بعد الولادة أن تنظف جسده من آثار الدماء في إشارة إلى تنقيته من آثار الاغتصاب ، لكنه يرفض ويبقى في (طشت) الماء في دلالة على انتمائه للبحر الذي أتى منه.
في المشهد الثاني تبدأ المرأة في عملية بحث في الصندوقين عن شيء فقدته ، والوليد يحاول منعها حتى أنه يريد إحراق الصندوقين في إشارة إلى انه يريدها خالصة له ، ولا يشاركه فيهما أحد أو شيء آخر من أجل أن تستمر في الخضوع ، كما خضعت في السابق للمغتصب وفي هذا الإطار بين الحب والكره يدور الصراع بين الأم ووليدها الذي كبر إمامها وأصبح يذكرها بالاغتصاب والانتهاك على الرغم من إنها وثقت بأبيه ، حتى أنها لا تستطيع النظر في عينيه ، إذ تبدأ علامات الرفض في الفعل الأدائي للأم اتجاه وليدها فنظراتها مملؤة بالاشمئزاز في مقابل الفعل الجسدي للوليد التي تدلل على انه يريدها أن تبادله الحب والتودد ، لكن رفضها يستمر في أداء صوتي وبصري وحركي تقدمه الممثلة في شخصية الأم وهي تطلق أصوات الرفض المصاحبة لموسيقى تصاعدية تكشف عن الغضب الذي في داخلها ، محاولة في تقديم فعلها التمثيلي من خلال حركة دوران وهو يمسكها من الخلف ويسحبها نحو لكنها تتخلص منه وكأن حاجزها النفسي يتجسد في فعلها الحركي الصوتي.
وبعد محاولات عديدة من الوليد يحاول إقناعها بأن تنظر إليه ولو لمرة واحدة وحينما ترضخ إليه لكونها أم ومشاعر الأمومة تحركها نحوه ، وفي لحظة المواجهة يعيد المخرج فيها فعل الاغتصاب أي تقديم مشهد الاغتصاب ، كما حدث معها في السابق ، إذ تبدأ الممثلة بحركات جسدية فيها دلالات جنسية توحي بعملية التحرش التي تحاول أن تقاومه من خلال الأصوات والصرخات ، وكأنها أمام مجموعة أشخاص تبعدهم بطريقة عنيفة عن جسدها ، لكنها لا تستطيع مقاومتهم فتقع على الأرض وترفع يديها إلى الأعلى محاولة إبعاد شخص من فوقها يتبعها حركات هيجان من (وليدها) في أطراف الإضاءة الحمراء بالقرب من الأعمدة الثلاثة ، وهو يمثل بتلك الحركات دور أفعال الأب المغتصب ، وتستمر في أدائها التي تنتقل به من يمين المسرح إلى يساره ، ولكنها تسقط مرة أخرى في المقدمة ورأسها يتدلى من فوق الخشبة وترفع يديها وأصابعها مفتوحة ، وكأنها تستنجد بشيء ما إلى أن ينتهي هذا المشهد بصرخة الاغتصاب الأخيرة ، فيحاول بعد ذلك الوليد أن يقترب من جسدها الملقاة على الأرض وبيده لعبة وحينما يتحسسها ، تقابله بصرخة مع دفعه إلى الأمام وتطلق بوجه عبارة (لا تلمسني أيه الأمريكي القذر) في إشارة واضحة إلى إن من قام ويقدم بتدنيس الأرض والعرض ويقوم بفعل القذارة هم من سمحوا لأنفسهم حق الاغتصاب في إشارة ما بعد كولونيالية تعمدها المخرج بعد إعادة مشهد الاغتصاب بإلصاق فعل القذارة إليهم ، وهنا يحاول الوليد العودة إليها ويناديها بأمه ، لكنها ترفض وصفه لها ، وتقول أنت ابن البحر ابن رجال البحرية الأمريكية الذين يضاجعون البحر ببوارجهم ، وتصفه بأنه ابن جنية أرادت الخلاص منه فرمته في بطنها.
لقد عمل المخرج في إعادة مشهد الاغتصاب أن يعمل على زعزعة مفهوم التمثيل الثقافي الكولونيالي في الساحة العراقية فمشهد الاغتصاب كشف لفعل الإخضاع الذي مارسته السلطة العالمية اتجاه الآخر ، وإظهار المخفي والمغيب الذي وقع عليه فعل الاغتصاب من أجل تمثيله على وفق منطق القوة التي تخفيه السلطة الكولونيالية ، لذلك أراد المخرج أن يفكك ويقلب المعادلة بين الحضور والغياب بين سلطة الجلاد الذي فرض حضوره بالقوة والإخضاع وبين المخفي الذي يحاول أن يقام ويرفض الفعل الكولونيالي.
إن الأفعال الكولونيالية تحاول ان تجد لها مبررات إخضاعها للآخر ، وهنا يكشف المخرج في مشهد آخر كيف الوليد يلقي باللائمة على أمه بأنها لماذا لم ترفضه وتسقطه من بطنها حينما كان جنيناً؟ ويؤدي هذا السؤال حينما تتوسط المسرح بقعة حمراء تشير إلى رحم المرأة وهي تقف في طرفها العلوي ، والوليد يزحف إلى الأمام في لحظة الخروج من رحمها ، فتتقدم نحو وتمسك باللعبة التي في يده وتضعها على رأسه وتذكره بأنه أصبح علامة الاغتصاب التي كلما حاولت أن تنساها ، لكنها تبقى ماثلة أمامها في شخصه تمثل هذا الفعل في أداء هستيري ترمي اللعبة بقوة إلى خارج بقعة الضوء الحمراء في إشارة إلى إنها كانت لعبة في يد أبيهِ والجنود الذين كانوا معه ، وتنهض في أداء يصاحبه هستيريا من لحظات الاغتصاب والحمل ، وهي تضرب بيديها على بطنها لإسقاطه وعود إليه مرة أخرى ، وهو يجلس في مقدمة المسرح وتمسك بيديها بعد أن تعود إلى هدوئها ، وكأنها تخفي شيء تريد أن تقوم به وتحرك يديها على جسده في تصوير حركته في بطنها وتذكره بأنه حتى وهو في بطنها كانت حركته تذكره بلحظة الاغتصاب وبشاعته ، ويتصاعد فعلها التمثيلي الغاضب وتربط عنقه بقطعة قماش في محاولة لخنقه لتذكيره بأنها حاولت الخلاص منه ، ويستمر فعل الخنق وسحبه إلى الخلف ثم إلى اليمين واليسار ، وهي تسرد أحداث التخلص منه حتى تقذفه إلى الأرض وكأنه جاء رغماً عنها. وحينما ييأس منها في تقبله وحبه يحاول أن يظهر أمامها بطريقة أخرى فيأتيها بعدة محاولات ومنها حينما تجلس هي في مقدمة المسرح يتقدم نحوها من الخلف زاحفاً على يديه وقدميه في حركة تشبه حركة الذئب المفترس وكأنه يحاول إرغامها على تقبله وحينما ترفض يأيتها بطريقة محاولة إغرائها بالنقود التي يجنيها فترفضه أيضاً ويأتيها بحيلة ثالثة يصور نفسه أمامها بأنه مريض ويحتاج إلى عطفها وترفض ويأتيها أخيراً بأن يمثل أمامها دور الغريب والضائع لترشده إلى أهله وحينما يصل إلى إن من يبحث عنها أمه نفسها ، وبعد أن تنظر في وجهه تتذكر فعل الاغتصاب وتغطي وجهه بقطعة قماش ، مع استخدام إضاءة حمراء وموسيقى غربية خاصة تلازم مشاهد الاغتصاب المتكررة.
وبعد أن يعجز الوليد باقتناعها ، يبدأ بنزع ثيابه التي ألبسته بها بعد ولادته ليخرج على حقيقة ويهاجمها لكونها لا تحبه ويسحبها ويضعها في الصندوق ويغلقه ، ثم يذهب هو إلى الصندوق الآخر ، ويعيد سرد أحداث التي استخدمتها الأم للخلاص منه ، فهو يصور الصندوق بأنه رحم أمه التي حاولت قتله بداخلها ثم يصوره مصحة المجانين التي رمته بداخلها ، وهنا يريد المخرج بإعادة المشهدين ، مشهد الاغتصاب ومشهد محاولة الخلاص من الوليد ، وكأنه يريد أن يشير إلى تأكيد أفعال الإخضاع في الاغتصاب ورفض الإخضاع من خلال الخلاص من آثار الاغتصاب ، ورفض البذرة الشيطانية التي زرعت في هذا الرحم ، أي أن إعادة الفعل الكولونيالي ، هو إدانة له وفي طريقة تعامله مع الشعوب التي حاول إخضاعها ومنها العراق أما إعادة الفعل ما بعد الكولونيالي ، فهي محاولة لتأكيد فعل المقاومة للفعل الأول ، وأساليبه المستخدمة ضد الآخر.
وبعد أن يكمل الوليد سرد أحداث الخلاص منه لأنها يذهب إليها ويخرجها من الصندوق ويحاول أن يهاجمها ليتخلص منها من خلال استدراجها إلى حوض الماء ، ويقوم بفعل غطس وجهها في الماء مرات عديدة ويصفها بالغبية لكونها لا تحبه ، وهنا إشارة إلى إن من وسائل الخطاب الكولونيالي ، هو وصف الآخر بالدونية التي منها الغباء لكونه لا يتقبل التغيير ولكونه لا يخضع بسهولة إلى التمثيل العالمي ومغرياته الكولونيالية ، مما يجعل إعطاء مبررات لمهاجمته ، وهذا ما يريد المخرج أن يقدمه بفعل الوليد اتجاه أمه ، ويتجه إلى تطويقها بشريط يستخدم عادة في تطويق مكان الجريمة ، ويعدّه رسالة يريد أن يعلن من خلالها احتجازه لها ، وتحديد المكان بهذا الشريط هو تطويق لمكان الاغتصاب وتأكيده على عدم الخروج منه ، وبعد أن يستكمل تطويق المكان يذهب إليها ليبدأ بلفه حول جسدها ، ويريد أن يجبرها بأن تلعب معه وحينما ترفض يذكرها بأنها قد غادرت الطفولة نتيجة فعل الاغتصاب ، ثم يؤدي حركات جسدية تدلل على البحث عن شيء مفقود ، وهي تبدأ بممارسة الحركات نفسها حتى يختفي هو من المسرح ، وهو عارٍ وتعود هي لتقف فوق الصندوق وينزل عليها كيس من الأعلى ، وبعد فتحه تخرج زي رجل عربي (عقال وغطاء الرأس وعباءة) وتشمها ، وتقول: هذا ما بقي لي من هذه الدنيا ، ويظهر الوليد مرة اخرى على المسرح وهو يرتدي زِيَّ البحرية الأمريكية (المارينز). وهنا يعطي المخرج إشارة بأن الصراع بين الزيين العربي الذي يمثل الشرق، وزي المارينز الذي يمثل الغرب الكولونيالي. وبعد سؤاله عن الزي العربي يحاول أن يسخر من ارث أبيها وفي إشارة إلى السخرية المتعمدة من الثقافة الأصلانية وارثها الإنساني.
وفي المشهد الأخير تستعد فيه الأم للانتقام لشرفها ولأرث أبيها ، وتحاول أن تلعب معه اللعبة الأخيرة وهي لعبة (الشرطي والحرامي) ، وبعد جدال بينها مَنْ يكون الشرطي الذي يصر عليه الوليد لكونه أمريكياً فتحاول أن تقنعه بأن (الحرامي) يحب الاختفاء بعد القيام بأفعاله (جرائمه)، وبعد أن يختبأ في أحد الصندوقين وتكتشف مكانه تغلق الصندوق ، وتقف عليه وهو يصرخ في داخله من أجل النجاة ، وهي تناديه بصراخ (لن تجعلني مومس) ، ثم تقوم بارتداء الزي العربي لتثبت بأنه هو الذي انتصر وتثأر لشرفها بأن تضع (العقال) برقبتها وتشنق نفسها.
لقد عمل المخرج في هذا العرض على إعادة الزمن الكولونيالي من خلال محاكاة فعل الاغتصاب الذي مارسته السلطة الكولونيالية ، وإعادته مرات متعددة لاستجوابه في محاولة لفك الارتباط به ، وكشف ملامحه وتفكيك مفاهيمه في الثقافة الأصلانية العراقية ، وكذلك حفل الفضاء المسرحي في العرض بأفعال الاختلاف الثقافي للفعل الكولونيالي ، وكشف أزمة الهوية في المجتمعات التي حاولت السلطة الكولونيالية إخضاعها، والصراع بين الفضاء الكولونيالي والفضاء الأصلاني في العرض المسرحي الذي أنتج هيجاناً ثقافياً ، يُعَدُّ ملحقاً بالسلطة الكولونيالية ، وليس صورتها الأصلية ، ومن ثمّ فأن هذا الهجين (الوليد) هو إدانة للممارسات التي قامت بها هذه السلطة اتجاه المجتمعات الأصلانية.