أن الجمهور في المسرح في طبيعة الحال يكمل انتاج العرض المسرحي والفكرة التي ينطلق منها الكادر المسرحي في هذا المجال ، لذا فأن أي عرض مسرحي دون جمهور متلق سيكون أشبه بفعل قائم بذاته دون أن يكون هناك ردة فعل تسهم في اكتمال الدائرة الإتصالية لتساعد في تشكيل الفعل الإبداعي الذي يرمي اليه المبدع في عمله ، لذلك منذ البداية يكون همّ المبدع أن يرتقي بفعله الإبداعي من خلال الجمهور في المسرح، وهذا الحال لا يختلف عن تشكيل الفكر الماهوي للجمهور في المسرح العراقي من خلال ابداع عروض مسرحية أسهمت في ايجاد حركة مسرحية يمتد عمرها الى أكثر من قرن من الأبداع ساعدت في تكوين صورة محددة عن الجمهور في المسرح العراقي المصاحب لتلك الحركة المسرحية.

لقد أفرزت أشكال من التفاعل بين الجمهور والعرض المسرحي في اطار أنطولوجيا الخطابات المسرحية التي كان لها تأثير في انتاج طبيعة الجمهور وتنوعه في العرض ، لذلك كان التنوع في شكل العرض خلق تنوعاً في شكل الجمهور نتيجة لعمليات التفاعل بين الطرفين ، إذ يرى الناقد (ياسين النصير) بأن  الجمهور العراقي يتكون من نخبة ، من عدة شرائح أجتماعية امتلكت وعياً لمسرح فقصدته وعندما تطور المسرح عندنا واصبح رديفا للعملية السياسية ، أصبح الذهاب اليه حاجة فكرية لا تشبع إلا بقصده، والتثقف عن طريق السماع والمشاهدة ، أقول إن هذا الجمهور نخبة لأن عدد من المتفرجين يقصدون مسرحا دون سواه ، وفرقة بدلاً من أخرى وكاتبا دون كاتب وممثلاً  بدلاً من آخر ،ويهتمون بأتجاه فني دون بقية الأتجاهات والى أن يصبح هذا الجمهور شرائح أجتماعية كبيرة ، تقصد المسرح بوعي ، وتسعى لإن تشاهد برغبة فيه : كفن وكممارسة حياتية ، عندئذ لن نطلق عليه نخبة ونحدده ببضعة الاف .بل ندرسه لوصفه محصلة اجتماعية من محصلات الثورة الثقافية التي ترافق نشؤ المجتمعات الجديدة). إن الصورة التي حددها (النصير) بأن الجمهور في المسرح العراقي، هو جمهور يتقصد في فعل المشاهدة والتي جاءت نتيجة رغبة المتلقي في تحديد نوع العرض ،وتأثير بناه الأنطولوجية التي تساهم في إيجاد المتعة التي يطرحها صانع العرض (المخرج) ومن ورائه المؤلف والممثل ، والفرقة المسرحية التي ستقدم العرض المسرحي والاتجاه المسرحي التي تتبناه هذه الفرقة المسرحية ،أو تلك كل هذه المحددات تعطي للجمهور صفة الرغبة في المشاهدة والتفاعل مع العروض المسرحية المقدمة ، وهذه تعد من الامور التي أسهمت في جعل الجمهور العراقي يتفاعل مع المسرح في العراق.

أما وجهة نظر (الدكتور سامي عبد الحميد ) عن الأمور التي تسهم في تواصل الجمهور مع المسرح ، إذ يعتقد بأن نجومية المؤلف ،أو المخرج ،أو الممثل تسهم في تواصل  الجمهور ، كما وأن موضوع المسرحية ومدى علاقته بالمتفرج لهو نفس الدور في جذب الجمهور، وكذلك مكان العرض ، وأنواعه ، والمسافة ذات البعد الأنطولوجي الذي يكون في قريباً من  الجمهور وليس بعيدا عنه .

أمّا الاستاذ(ابراهيم جلال) فكان له رأي آخر في عملية تواصل الجمهور العراقي الى المسرح ، ورأى بأن قراءة النص قبل العرض ، والتأثر ببناه الأنطولوجية التي ينتجها المؤلف في النص ، وإيجاد بناء ذهني يسهم في التكوين الماهوي للموجودات التي يصفها لنا المؤلف على لسان شخصياته ، ورأى بأن هذه القراءة الأنطولوجية هي الأساس في قيام مسرح محلي له هويته ، وأعطى للنقد والنقاد دوراً في عملية تواصل وجذب الجمهور ، بوصف أن النقد العلمي السليم يكون حافزاً أساسياً في تهيئة الأجواء الملائمة للعروض المسرحية ، وكذلك أضاف فقرتي الألتزام والعراقة والتقاليد، والذي عد الأولى بأنها مهمة في تقديم مسرح يرتقي بذائقة الجمهور العراقي بعيداً عن المسرح الذي يقدم الضحك الأجل الضحك ، أما فقرة العراقة والتقليد ، هو أن المسرح في العراق ما يزال مقلداً في نتاجه ولا يملك العراقة في ايجاد الجمهور . إن هذه الآراء التي قدمها ثلاثة من المهمين العاملين في المسر العراقي أراءهم تؤكد أن علاقة الجمهور في المسرح بنيت على أساس التجربة المسرحية العراقية التي تدرجت في  التطور ،ولكن بقيت بحاجة الى الاستمرار في تطوير عناصرها المادية التي  تسهم من وجهة نظر المختصين في  جذب الجمهور والتي توزعت بين النص والعرض والقائمين عليهما ومكان المسرح ودور النقاد وقراءة النصوص المقدمة ، كما كان للالتزام بالمسرح والهدف الذي نشأة من أجله هو نقطة الارتكاز في تطوير الوعي الجماهير الدور المسرح.

إن رأي العاملين في المسرح شمل أيضاً تصنيف الجمهور في المسرح العراقي الى أنواع على اساس العلاقة بين العرض في أطار التكوين الماهوي للوجودات في العرض والجمهور، وتحديد دوافع المشاهدة عنده ، و طرح الأسباب التي تؤدي الى عدم التواصل والتفاعل مع المسرح العراقي . فقد صنف ( الدكتور عوني كرومي ) في دراسته عن ( الجمهور والمسرح – التجربة في العراق ) الجمهور العراقي الى أحد عشر نوعاً ، وكل نوع يتفاعل مع العرض الذي  يجد فيه ضالته ، ويبدأ الدكتور (عوني كرومي) تصنيفه بالقول الاتي : يمكن أن نقول أن من أنواع الجمهور المسرحي جمهوراً يأتي أنطلاقاً من مبدأ بحثه عن التسلية وقضاء الوقت وتوفير المتعة ، وجمهوراً يأتي بدوافع خاصة تتمثل بالأعجاب أكان متمثلا بممثل أو مخرج أو مؤلف…الخ، وجمهور ينطلق من نظرته الى المسرح كضرورة اجتماعية ، وجمهورا يأتي الى المسرح بأنتظام لمرة أو مرتين أو ثلاث أو بإستمرار ، وجمهوراً يمكن أن نطلق عليه تسمية (صديق المسرح) دون ان ننسى أن هناك جمهوراً نطلق مشاهداً أو جمهوراً بالصدفة ، إذ لا تشكل زيارة المسرح لديه إلا فعالية عفوية في حياته اليومية . ومن ناحية اخرى يمكن أن نصنف الجمهور الى مشاهد يشجع هذه الأعمال لا تلك ، وأخر يأتي لمشاهدة الأعمال الواقعية ، وجمهور يحبذ الأعمال الجادة فقط ، وجمهور يحبذ المسرح الأستعراضي ، وآخر يقبل على المسرح الغنائي ، وفي هذا التصنيف يمكن أن نميز  خمسة  أنواع من التفاعل لتكوين ماهوي للوجودات في اطار عقلية ابداعية تنتجها، ليتلقاها الجمهور في ضوء انطولوجيا لخطاب العرض، وهي كالآتي :

أما (الدكتور سامي عبد الحميد) فيصنف الجمهور بحسب تصنيف العروض المسرحية ، وصيغها الجمالية المنبثقة من تكوينها الأنطولوجي، فالعروض الفنية لديه نوعان ، نوع للجماهير بصورة عامة ، ونوع للنخبة، ويعني بهم رواد  المسرح – فالمسرح في اعتقاده هو للنخبة ، لأنه – كما يقول- حينما يصبح للجماهير يتنازل عن الكثير من عناصره ، وذلك – حسبما يعتقد – لأن الفن المسرحي شكلا وموضوعا لابد ان يكون للنخبة . وبناءً على ذلك فإن الجمهور المسرحي في نظره نوعان : جمهور حقيقي متابع يبحث عن الأفضل ، ويشيد بالعمل الذي يمتلك عناصر فنية جيدة وينتقد الأعمال التي فيها ثغرات . أما النوع الأخر ، فهو الجمهور العام ، الذي وصفه بأنه نسبي يتغير من حين لأخر ومن مسرحية الى أخرى ، لا نستطيع القول : هذا هو جمهور المسرح ،أو هذه هي المسرحية المطلوبة . ومن خلال التصنيف الثاني يمكن أن نحدد نوعين من التفاعل هما:

1- تفاعل متطور واع بنوع البناء الأنطولوجي وجمالية العرض ،إذ يقوم به جمهور يمتلك حضورا مسرحيا متواصلاً،  ويكون هذا النوع من التفاعل بناءً وقائماً على اســاس جودة العمـــل المسرحي، وطريقة التعاطي معه من الجمــــهور (جمهور النخبة).

2- تفاعل بسيط يقوم به جمهور متغير من حين الآخر ، قد لا يتأثر بشكل العرض  ومن مسرحية الأخرى وهو (جمهور عام ).

والجمهور المسرح في العراقي هو شبيه بأي جمهور مسرحي في أي بلد من البلدان التي ينشط فيها المسرح تكون لديه دوافع لمشاهد العروض المسرحية والتفاعل معها بشكل جيد، ومن هذه الدوافع التي تدفع الجمهور المتابعة للعمل المسرحي ،هي :

وكل هذه الدوافع وغيره تساعد الجمهور في عملية التفاعل مع الاعمال المسرحية من حيث طبيعة التفاعل ونوعه، وتساعد ايضا في الاستمرارية مع العرض المسرح والتواصل مع الاحداث المقدمة على الخشبة .

لقد حدد( الدكتور سامي عبد الحميد) في كتابه ( أضواء على الحياة المسرحية في العراق) عدد من الأسباب الخارجية التي تخص الجمهور ،والداخلية والتي تخص العرض المسرحي ،ودورها السلبي في عدم حصول التفاعل مع العرض المسرحي ، وهي كالآتي:

الأسباب الخارجية :

الأسباب الداخلية :التي تخص العرض المسرحي فهي كالاتي:

إن هذه الاسباب سواء كانت خارجية ،أم داخلية كلها أسهمت في عدم تفاعل المتلقي مع العرض المسرحي ، كما توجد أسباب أخرى فرضها علينا التقدم التكنولوجي المتسارع ،من خلال أدواته الحديثة والمتمثلة بأجهزة الإتصال (الهاتف الخلوي) ، وكذلك الستلايات (القنوات الفضائية) والتي أسهمت في جعل المنتج المسرحي يصل الى المتلقي في بيته  لمشاهدة المسرحيات ، ولاسيما على بعض القنوات الثقافية التي يكون العرض المسرحي أحد اهتماماتها . كل هذه الأسباب جعلت العلاقة بين العرض والجمهور في المسرح العراقي تتعرض لنوع من عدم الاستمرارية في التواصل ، مما أنعكس سلبا على تطور العملية المسرحية في العراق ، وهنا يطرح التساؤل عن ماهية الجمهور العراقي ودوره في المسرح في ظل التغيرات الكثيرة التي يمر بها العراق على المستويات كافة سواء كانت سياسية أم أقتصادية أم دينية أم تقنية ….الخ ، وتأثيرها على المتلقي العراقي ، والعاملين في المسرح أيضاً ، ولاسيما على مستوى الإنتاج المسرحي والذي هو أساس في تطور العمل الإبداعي في هذا المجال ، فهذه العوامل لها تأثير مباشر في المسرح كالعامل الاقتصادي والعامل التكنولوجي مثلا ، أو غير مباشر كالعامل السياسي أو العامل الديني  ولاسيما في طرح الموضوعات التي لها مساس مباشر بحياة الجمهور العراقي ومدى دور الرقابة الذي أصبح يمارسها الجمهور بنفسه على العملية المسرحية من حيث الأعمال التي يسمح بتقديمها ،والتي تؤثر مباشرة في تسليط الضوء على ما ينبغي أن يكون عليه الفرد العراقي مستقبلا .

اذن ، فالجمهور في المسرح العراقي يرسم مع مبدعي الحركة المــــسرحية في العراق صور التطور ،أو التدهور في المسرح العراقي على مدى مسيرة حياته، لأنه يتأثر بالخط البياني للمسرح في العراق ، وينعكس ذلك على مستوى تفاعله معه، مما يكون خير مرآة يرى فيها المهتمين مدى فاعلية ودور المسرح في الحركة الثقافية العراقية.

إنَّ التأثير الذي يتركه التكوين الأنطولوجي الجمالي للعرض في ضوء الرؤى الفنية لفريق العمل ابتداءً من المؤلف ومروراً بالمخرج وصولاً الى العاملين في مجال التصميم ، كل هذه الإشتغالات تترك أنطباعاً وتأثيراً لدى الجمهور في التكوين الماهوي للوجودات المشتغلة في أنطولوجيا الخطاب المسرحي .

ومن خلال ما تقدم يمكن أن نخرج بمجموعة نقاط نلخص بها ما تم استعراضه في ما مضى من طروحات :

  اولاً: تدخل مجموعة من العوامل في تفعيل تفاعلية التلقي مع انطولوجيا الخطاب المسرحي  وتعد جزءاً من جذب الجمهور للتواصل مع  التكوين الأنطولوجي  لصورة العرض المسرحي ومنها:-

ثانياً: يقسم الجمهور المسرحي بحسب نوعية التواصل وطبيعة التفاعل مع انطولوجيا الخطاب في العروض المسرحية ،والتي يمكن أن تتحدد في سبعة انواع من التفاعل وهي:-

ثالثاً: دوافع المشاهد واثرها في عمليتي التفاعل ،والتلقي مع التكوين الأنطولوجي للخطاب المسرحي ،وهي كالآتي:

رابعاً:  أسباب عدم التفاعل مع الخطاب المسرحي وهي على مستويين:-

الأول: يتعلق بالجمهور وهي كالاتي:- من أجل استقبال سليم للتكوين لأنطولوجي للخطاب المسرحي يجب الأبتعاد عما يأتي:-

الثاني: وما يتعلق بالعرض المسرحي ،وهي كالآتي:

إن عملية التلقي للتكوين الأنطولوجي للخطاب المسرحي عند الجمهور تتأثر بنوعية المواضيع المقدم في العروض المسرحية  سلباً كان أم أيجاباً ، فلا بد من الإهتمام بموضوع المسرحية ،والبناء الخاص بوجودات العرض وعناصره ،التي تسهم في إيجاد تكوين ماهوي سليم في ذهنية المتلقي عن المواضيع المسرحية ،لأن ذلك يعد عاملاً من العوامل الداخلية ذات التأثير المباشر في عملية التلقي المسرحي، وكذلك نوعية التكوين الأنطولوجي العرض المسرحي المقدم على الخشبة(جاد، كوميدي ،استعراضي، غنائي، مونودراما…الخ ) له الأثر في بناء تفاعلية تلقي ناضجة للخطاب المسرحي عند الجمهور. إن للتكوين الأنطولوجي للخطاب المسرحي تأثيراً فكرياً وعاطفياً على الجمهور في أثناء تفاعلية التلقي، وهذا التأثير سوف يسهم في بناء صور ذهنية (وجودات ذهنية) عن أنطولوجيا الخطاب غايتها تكوين معنى العمل المسرحي في ذهن المتلقي.

إنَّ عملية التفاعل مع التكوين الأنطولوجي للخطاب المسرحي عند الجمهور في المسرح تدخل كعامل مؤثر في بناء وتكوين الصورة المادية للعرض المسرحي ومدى نجاحه أو إخفاقه ، وهي لا تتم إلا في اجواء ملائمة ، تؤثر فيها عوامل داخلية وخارجية تخص العرض المسرحي والجمهور المسرحي معاً ،وتعطينا تفاعلية تلقي أنطولوجيا الخطاب المسرحي في تحديد نوع الجمهور وأتجاهاته وكيفية إيجاد ظروف ملائمة للمشاهدة ،والتفاعل مع العرض المسرحي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *