لعب فن التمثيل منذ بدايته الأولى عند الإغريق أدوار مختلفة منها التسلية والترفيه ونقد الظواهر الاجتماعية والسياسية وكذلك تطهير النفس البشرية مما يعلق بها من أدران وذلك من خلال إيصال المتلقي إلى مرحلتي الخوف والشفقة على ما وصل إليه البطل في المسرحية المأساوية وكذلك مارس دوراً تربوياً بارزاً وشكّل أحد عناصر التربية ( غير المقصودة ) أو (غير المباشرة) التي رافقت المجتمعات البشرية منذ البدايات الأولى مؤثراً في بناء شخصية الفرد وفي رسم صورة المجتمع بحسب ظروف وجوده وحيثياته في كل بلد وكل مجتمع أو جماعة في العالم ، إن فن التمثيل عند الإغريق قدم صورة تربوية تمثلت في إدخال هذا الفن كجزء من المباريات المسرحية التي كانت تقدم من خلالها جوائز مالية للفائزين، وتجبر المواطنين كافة على حضور تلك العروض، حتى أنها كانت تخرج المساجين من سجونهم وتتيح لهم مشاهدة المسرحيات التي كان لها طابع مقدس حيث كانت تقيم احتفالاً بعيد الآلهة الإغريقية (ديونيسوس)، هذا الطابع المقدس الذي رافق المسرح منذ نشأته هو طابع تربوي بامتياز، طالما أنه يهدف إلى تطبيع الفرد والمجتمع بطابع الأفكار أو الفلسفات التي أبتدعها الفكر أو العقل الإغريقي والذي تبنته الدولة آنذاك.
ومر دور فن التمثيل في التربية بمرحلة جديدة في العصر الروماني إذ أخذ طابع الإمبراطورية الرومانية وما كانت تمارسه من سياسات خاصة في مؤسساتها وأهمها الإدارة والعسكر فكان لفن التمثيل من خلال المسرح الروماني ممارسة تربوية ذات طابع خاص تميزت في تكيف المواطن الروماني مع الأفكار التي اعتمدتها الدولة، والتي في غالبيتها أفكاراً مواطنية وعسكرية دفاعية وحتى توسعية، وفي هذه الحالة أيضاً استخدمت الدولة الرومانية المسرح لتوجيه مواطنيها بحسب الأفكار الفلسفية والتوجيهات السياسية التي كانت سائدة، وإيماناً منها بأن الدور التربوي الذي يلعبه المسرح في التأثير في الجمهور لا يمكن الاستغناء عنه.
وأنتقل فن التمثيل ليلعب أدوار تربوية أخرى وهذه المرة في القرون الوسطى فإن هذا الفن كانت له ممارسات خاصة في الكنائس والتي رسمت صورة تربوية تمارس بصورة عفوية فقد كانت الأهداف الدينية المسيحية هي الأساس في كل عملية أو تظاهرة اجتماعية يبديها الإنسان في الحياة الدنيا الأولى، وهذا الاختبار الأرضي في الفضيلة والتقوى والورع عماده الحقيقي في الاستعداد للذهاب إلى عالم السماء السرمدي، والكنيسة ما كانت لتبخل على رعاياها في ممارسة إنشاد المزامير أو تلاوة بعض النصوص والمقاطع من الكتاب المقدس عند القيــام بمراسيم القداس الديني ويذكر إن الشعر ( الفردي ) كان ينشد باللغة اللاتينية القديمة وكان التطور الحصل في هذه الطقوس هو الوصول إلى قالب حواري، وبهذا ابتكرت طريقة فنية مشتقة من تلك الممارسات الدينية أو ما يمكن تسميتها بـ (الدراما الطقوسية).
وجاء عصر النهضة وأخذ فن التمثيل فيه صور تربوية حيث تمثلت في خدمة الأفكار التي قام عليها ذلك العصر حيث استمدت حاجة الأنظمة الحاكمة إليه لتأثيره في شعوبها، حيث كانت تمنع المسرحيين المغردين خارج سرب منظومة الأفكار والمعتقدات المتفق عليها أو المسموح بتداولها وتنفيهم إلى الخارج، وتفتح القصور للمسرحيين الموالين بفكرهم وآرائهم للتوجهات الحاكمة، وخير مثال على ذلك ما حصل للكاتب المسرحي الكوميدي الفرنسي الشهير مولير الذي حاول الخروج عن الخط المرسوم من قبل تحالف الملكية والكنسية، عندما كتب مسرحية ( طرطوف ) وأنتقد فيها الكنيسة وكهنتها، فما كان من الملك إلا أن أصدر فرماناته بتجريد ( موليير ) من صفته الأكاديمية كعضو في أكاديمية العلوم الفرنسية.
إن فن التمثيل في المراحل الأربعة السابقة لم يأخذ حريته الكافية في الدور التربوي إلا في مرحلته الأولى عند الإغريق حيث كان مسيساً عند الرومان لصالح الدولة وطابعها العسكري والإرشادي لصالح الدين المسيحي وفي مرحلة عصر النهضة كان دوره التربوي يدخل في خدمة التحالف الملكي الكنيسي المسيطر على تلك المرحلة وهذا إن دل على شئ فإنه يدل على إن فن التمثيل لم يكن له دوره التربوي الكامل في تلك المراحل الثلاثة .
في بداية القرن العشرين ظهرت صوراً جديدة لدور فن التمثيل تمثلت في اتجاهات مسرحية أهتمت بهذا الدور جمالياً وتربوياً وأخذت تهتم بكل ما هو مهم ومؤثر والذي يجمع بين المشاهد والعارض والقابلية التعبيرية للجسم وخصوصيته وقدراته العقلية والذهنية والأدائية وعلاقتها بالمشاهد الذي يعيش هذه العملية من ناحية الفراغ والشكل قد تطورت هي الأخرى لتشكيل نظاماً فنياً تعددت فيه الاجتهادات وافترقت المذاهب حتى بات بإمكاننا أن نتلمس تيارين أو منهجين في التجارب المسرحية على الصعيد العملي والنظري وكذلك على صعيد الاختلاف أو التمييز في المجال التطبيقي فمنه مثلاً :
1. طريقة الاندماج التي تعامل الفعالية الفنية المسرحية على أسس سيكولوجية .
2. طريقة التغريب ..
في الطريقة الأولى تم الاستفادة منها تربوياً في روسيا أو ما يسمى سابقاً بالاتحاد السوفيتي حيث نظروا إلى المسرح في روسيا على أنه أداة مهمة من أدوات تعليم الشعب مبادئ الشيوعية لقد استفاد النظام الشيوعي من الفن المسرحي بشكل واسع شأنه شأن كل الأنظمة الحاكمة في أوربا على مر العصور، فقد أدركت الطبقة السياسية الحاكمة أهمية المسرح، ومدى تــأثيره التربوي في تغيير نمط تفكير الشعوب وقناعاتها بالاتجاه الإيديولوجية الشيوعية الجديدة التي لا تخرج عن إطار الواقعية التي كانت من أهم إنجازات التجربة الشيوعية على الصعيد العالمي مسرحياً.
أما طريقة التغريب التي عمل بها الكاتب والمخرج الألماني برتولد بريخت فقد جاءت بالضد من الطريقة الأولى والتي عمل فيها على كسر الاندماج الذي يقع فيه المتلقي، أي أراد أن تكون مشاركة المتلقي مشاركة إيجابية في العرض وكان لفن التمثيل دور مهم في هذه العملية أي إن التمثيل يجري بطريقة ما، بحيث إن المشاهد يمنع من أن يجد نفسه في شخصيات المسرحية، فقبول أو رفض أفعال الشخصيات وأقوالها ومواقفها يجري على مستوى واعٍ، بدلاً من المستوى غير الواعي حيث عمل بريخت على التخلص من اندماج المتفرج مع العرض المسرحي لإيصال رسالة إلى المتلقي بأن المسرح وعناصره الأساسية ومن بينها التمثيل يجب أن تشاركه في تحفيز الجوانب الفكرية والعقلية للوصول إلى حل للأسئلة التي يطرحها العرض المسرحي وهي جزء من الأساليب التربوية التي أراد بريخت أن يتبعها مع جمهوره المسرحي .
في الوطن العربي فقد أسهم فن التمثيل من خلال بداياته الأولى في خدمة الأهداف التربوية فالمسرح العربي والذي تعود بداياته إلى القرن التاسع عشر، دخل مصر زمن الحملة الفرنسية أو يؤرخه البعض بأنتقال مارون النقاش وأبو خليل القباني وصحبهم إلى مصر كما تشير بعض المصادر إن الثقافة الأوربية ألقت بزخمها في مصر زمن الخديوي أسماعيل الذي بنى دار الاوبرا وجلب الفرق الفنية المسرحية والتي أخذت على عاتقها تطوير العمل المسرحي في الوطن العربي والذي ساهم في الجانب التربوي من خلال المسرح المدرسي الذي عمل على الحفاظ على اللغة العربية كوسيلة تعبيرية في المسرح والتعريف بآدابها وأدباءها، حتى إن المسرح واللغة العربية قد انضوت تحت لجنة واحدة في المدارس بمختلف المراحل مثل لجنة الخطابة والتمثيل أو لجنة اللغة العربية والمسرح، ومن أخطر ما اضطلع به المسرح المدرسي بجدارة أثناء الاحتلال العثماني هو صيانة اللغة العربية من التشويه والحفاظ على سلامتها وخصائصها وانتشارها.
وفي العراق أصبح لفن التمثيل – والذي هو جزء من العملية المسرحية – دوراً مهماً في الجانب التربوي على اعتبار إن المسرح العراقي وكما تشير نشأ الدراسات في داخل المؤسسة التربوية حيث أكد بعض المؤرخين الذين درسوا النشاط التمثيلي بالاعتقاد بأن بدايات المسرح العراقي الحديث مبعثها وظهورها المسرح المدرسي … وكما استطاع تسليط الضوء على طبيعة ومضمون المسرحية العراقية وأسلوب كتاباتها في المراحل الأولى لنشوء المسرح المعاصر في العراق وحدد لنا أهداف المسرح وضرورته رابطاً إياه بالعملية التربوية ، والدور الذي أداه في خدمة الأهداف التربوية في العراق .