لقد وضعت (الذات الغربية المؤسسة) صور تمييزية للمواطن العربي /العراقي ، تختلف عن نظيره الغربي صاحب الصفات الايجابية وذو العقلية المنفتحة ، وأخذت هذه الصور تطبيقاتها الفعلية من خلال الممارسات التي قامت بها الذات الكولونيالية في خطابها الثقافي الموجه ضد الآخر ، وهذه الممارسات سارت على وفق خارطة من المفاهيم التي تغلغلت في الثقافة الشرقية مع الحملات الغربية . إذ اخذت وهذه الصورة السلبية (المتخيلة) في الذهنية الغربية موقعها في الخطاب الكولونيالي كنتيجة للمرجعيات السابقة التي رسمت الجغرافيا التخيلية للشرق. والتي يأتي فيها وصف (المواطن المحلي) في ثلاثة صور ، وفي كل واحدة منها تم توظيف عدد من المظاهر السلبية التمييزية المرافقة للآخر الشرقي ،وهذه الصور الثلاثة هي :-
1. الصورة النفسية السلبية للعراقي وتوظيف التأثيرات الكولونيالية فيها:
لقد تم توظيف مفهومي (الاستلاب والإبعاد عن الذاتية) في عملية التكوين السلبي للجانب النفسي (للعراقي)، وذلك من أجل أبعاده عن الانتماء إلى ثقافة البلد الأصلانية ، فكلما كان الفرد مستلب ومستبعد عن واقعه الحقيقي ، كلما ساعد ذلك في دفعة نحو البحث عن ثقافة جديدة ينتمي اليها، وهنا تدخل اليد الكولونيالية في طرح البديل الثقافي الذي يجعل من مسألة الانتماء إليه مسألة بديهية وذلك بسبب ما يقدم من إغراءات وفوارق بين الثقافة المحلية والثقافة الجديدة الكولونيالية ، وهذا ما جعل عدد من أبناء البلد الأصلي ينتمون الى الثقافة الجديدة ، إذ أطلق على هذه الفئة كلمة النخبة الثقافية ، التي عملت على تعميق مفهومي (الاستلاب والابتعاد عن الذاتية) في الانتماء إلى التراث الثقافي للبلد الأصلي ، وذلك من خلال مبدأ تغيير المجتمع المتخلف وتحقيق التقدم ، وتلك اللغة ليست بلا دلالة ، بل إن دلالتها تكشف النقاب عن أصلها ، فالنظر للمجتمع باعتباره متخلفاً أي ككل سلبي ، يعني ضمناً أننا نحتاج لإزالة ملامح هذا (الكل) ، وإكسابه ملامح جديدة ، مما يؤدي إلى إزالة (التخلف) وزرع (التقدم). وهذه الفكرة استعمارية الشكل والمضمون، من خلالها يتم تحقيق مفهوم (النفي) للذات وتثبيت مكانها صورة تفوق الذات المؤسسة وثقافتها في ذهنية المواطن الاصلاني ، والوصول إلى حالة من (الاغرابية) ، وإبعاده عن ذاته ، وانتمائه لتراثه ، وتاريخه الفكري ، والثقافي.
2. تهديم الصورة الاجتماعية والثقافية الأصلية، وإبعاد العراقي عن الجذور:
عملت (الذات المؤسسة) من خلال خطابها الكولونيالي إلى ممارسة أفعال هدفها خلخلة الصورة الاجتماعية والثقافية وبعدهما التاريخي ، وقطع اطر التواصل المعرفي مع هذه القيم ، وذلك يتم من خلال قولبة الآخر الشرقي ووضعه في صورة آخرى غير صورته الأصلية ، وممارسة فعل التحنيط الثقافي لقيمه الاجتماعية والثقافية ، لتبقى مجرد صورة جامدة لا حياة فيها ، للوصول إلى عزل المواطن الاصلاني عن جذوره ، وعن مساره التاريخي ، وهذه القولبة ستجعل منه منقطع فكرياً وثقافياً عن ماضيه ، وبالتالي سيكون وجوده في الساحة الثقافية كتابع وليس أصيل ، فالثقافة ليست ثقافته ، بل هي صممت له من خارج واقعه ، وفرضت عليه وفق مبدأ البقاء للأقوى ، وبما أنه تابع سيكون الطرف الأضعف في المعادلة ، مما يجعله يخضع لفكرة التمايز عن الذات الغربية صاحبة الفضل عليه.
3. النخبة الثقافية الكولونيالية و (نفي الواقع الأصلي) :
من خلال الصورتين السابقتين ، سوف تتكون ملامح الصورة البديلة ، وذلك بإنتاج ثقافة نخبوية تابعة لثقافة الذات المؤسسة ، يكون فيها تمثيل المواطن الاصلاني بثقافة أخرى ، وواقع ثقافي جديد ، غير قادر فيه على تمثيل نفسه بنفسه إلا من خلال الثقافة البديلة في الخطاب الكولونيالي ، مما ينتج عن سكون صورته وخضوعه لإرادة الغير. وهذه العملية ، عملية إنتاج الصورة البديلة ونفي الواقع الأصلي تتم بمرور الزمن ليصبح فيه الصورة البديلة هي الواقع الفعلي والواقع الأصلي يغيب دون رجعة ، ويدخل في تثبيت الصورة البديلة مبدأي الثواب والعقاب ، الثواب لمن يسير في نفس الاتجاه الجديد ، وهنا يطلق عليه أوصاف مثل الصوت العاقل والصوت الطاهر الذي لا يواجه التغيير ، أما من يرفض التغيير سيتعرض للعقاب والنفي وتطلق عليه أوصاف ، مثل الأصوات الخبيثة او المجنونة.