فوكوياما والنظرة المتفلسفة لنا ، معادلة وجودنا نحن العرب/ الأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي

أصدر الكاتب والمفكر الفيلسوف (يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما) الامريكي من اصل ياباني عدد من الدراسات والمؤلفات ومنها كتابه( نهاية التاريخ والإنسان الأخير) الصادر عام 1992 والذي تناول فيه الديمقراطيات الليبرالية والرأسمالية والسوق الحرة في انحاء العالم ومنها منطقتنا والانسان العربي وتفكيره على وفق الصيغ الاسلامية الحاكمة في هذا المجتمع وكيف وصولها الى هذه النظرة العالمية الشاملة في انسانه الاخير ونهاية التاريخ لديه .
فوكوياما الذي ارتبط بالمحافظين الجدد فكرا واستراتيجيات مشتغله في بناء تصور جديد للعالم على وفق المنظور الامريكي للعالم وهذه المجموعة اليمينية التي تؤمن بأن امريكا هي القوة المهيمنة على العالم والتي يجب أن تضع لهذا التصور اصول جديدة قائمة على الصراعات العالمية وكيفية قيادتها امريكيا حتى تصبح هي من القوة المهيمنة على كافة الاصعدة ومنها ما هو مهم جدا هو البناء الجيوسياسي من جهة والبناء الاخلاقي لهذه القوة المهيمنة على وفق التنظير الجديد لها ، والتي كان لفوكوياما قصب السبق في هذه البناءات وخاصة في شكل انسانه الجديد او الاخير في نهاية التاريخ ، او ما يسمى بصياغات المطلق وروحها عند الفيلسوف الالماني (هيغل) الذي تأثر به فوكوياما كثيرا وخصوصا في انتاج هذه الروح المطلقة القائمة على صياغات القوة والحرية والمعرفة في صياغة المكانات العالمية للإنسان على وفق مكانته التاريخية والاخلاقية في تصور معين يفترض وجوده العقل المنحاز الى شكل معين في العالم .
نهاية التاريخ والانسان والاخير والنظرة لنا كيف تبناها فوكوياما وجعل من شعوبنا في اي خانة من خانات انسانه الاخير الذي صنفه في عالمه ذات المواصفات الجديدة في الفكر الامريكي حسب ما قدمه عدد من المحافظين الجدد وهو منهم . يرى (مطاع الصفدي) الذي قدم لهذا الكتاب في عنوان لهذه المقدمة اطلق عليها (نهاية التاريخ/ بيان التيموسية المظفرة ) قوله: (فالموعودون بجنة نهاية التاريخ هم القبيلة البيضاء الشقراء وحدها وربما الصفراء كذلك؟ ،مجتمع النمور النيتشوي . أما الاخرون معظم الانسانية ، فلم يعد تصنيفهم في خانة المتخلفين يكفي للتعبير عن رخلة التصفية الاخيرة – إذ ان هذا المصطلح سيظل يوحي باستمرار رسالة النتقدم في الأخذ بيد المتخلف “عبء الانسان الابيض” . بينما المطلوب من هذه التصفية هو القطيعة المطلقة بين سكان الجحيم “التاريخي” المحكومين أبديا بمصيرهم ، والنخبة الفائزة بالنعمة الخلاصية وحدها دون العالمين )(نهاية التاريخ ص19).
فالنظرة لنا في المنطقة العربية على وفق هذه التصور في نهاية التاريخ والانسان الاخير نقع في خانة المتخلفين أو الذين لا يمكن ان يلحقوا بهذه النهايات المفترضة التي رسم حدودها فوكو ياما ، فهل نحن في تصورات تاريخية سابقة مازلنا نعيش فيها ولم نخرج منها ؟، أم نحن في فكر فوكوياما أمة لا يمكن ان تتقدم في تطورها الفكري والاخلاقي الى الامام في ضوء الحدود المنطقية للسياسة الامريكية الجديدة ؟ أم نحن في سبات طويل ولابد من يقظة وصدمة عظيمة حتى نرجع الى الصواب العالمية وخصوصاً الامريكي في القرن الحالي ؟
كل هذه التساؤلات وغيرها التي من الممكن ان نطرحها على الفكر الفوكويامي ونرى هل بإمكاننا أن نتواصل معرفيا مع العالم الجديد ومحدداته التي في اغلبها قد لا تتفق مع التصورات الفكرية للعقل العربي في عالمنا اليوم .لكن فوكوياما يرى بأن هذه العلاقة يجب أن تبني على معادلة ” السيد والعبد” أذ يقدم تصوراً لهذه العلاقة بين الطرفين ، إذ يرى أن ( السيد هو الى حد ما أكثر انسانية من العبد لأنه تطوع إراديا لتجاوز طبيعته البيولوجية نحو غائية غير بيولوجية ، هي أن : يكون معترفا به ، فلدى مخاطرته بحياته يبرهن أنه حر .أما العبد فهو على العكس ، بحسب رأي هوبس، يتخلى عن هذه الانسانية خوفاً من الموت العنيف. ولهذا السبب يبقى “حيواناً” ضحية الحاجة والخوف ، غير قادر على تجاوز تحديده البيولوجي أو الطبيعي . لكن فقدان حرية العبد ، أي إنسانيته الناقصة ، تضع السيد أمام إحراج : فهذا الاخير يرغب بأن يعترف به من قبل كائن آخر يملك مثله قيمة وكرامة خاصتين به. فهو بدلاً من ذلك يُعترف به من قبل العبد الذي بقيت إنسانيته غير مكتملة لأنه تخلى عنها لخوفه الطبيعي من الموت ، فقيمة السيد هي إذاً معترف بها من قبل شخص ليس إنساناً بالكامل)(نهاية التاريخ ص198-190). هذا المنطق الجديد الذ ي يشير اليه فوكو ياما في كتابه يعطينا عدد من الاسباب التي من المفترض ان نجد مكاننا من خلاله في الفكر الفوكويامي ومنها :-
• السيد هو الانسان الاخير وما عداه لا يصل الى هذه المكان ابداً ، وبالتالي نحن لا نصل الى هذه المكانة مهما قدمنا من طرائق جديدة ووسائل معرفية نظرية وعملية من اجل التأقلم مع هذا التصور الجديد نبقى في مرتبة العبيد ، وهذه القاعدة الاولى في الفكر المحافظ الجديد الذي يمثله فوكوياما.
• ما يقوم به السيد تجاه الآخرين هو تطوع إرادي يتجاوز فيه طبيعته البيولوجية نحو غائية بيولوجية قائمة على مخاطرته بحياته ليبرهن انه حر . فحرية السيد هي نعمة على العبد فهذه المخاطرة قائمة على التضحية من اجل بقائنا أحياء ، فبفضل السيد نحن نبقى احياء وبفضله نحن نعيش وبفضله ننعم بشم الهواء ، فهو السيد الذي يحمينا والذي يقدم كل قوته العسكرية وغير العسكرية حتى نبقى أحياء من عدو مفترض لا نعلم من يكون وفي اي لحظة يخرج علينا ، المهم ان نبقى في سياق الامتنان للسيد الحامي المضحي من اجل بقائنا ليس في حياة كريمة ، فالكرامة والعزة له ، ونحن لنا البقاء على سطح هذا الكوكب الذي فيه السيد هو الحاكم وهو القوي وهو المسيطر على كل شيء ومن ضمن هذه الاشياء نحن في المنطقة العربية .
• نحن ايضا على وفق هذه المعادلة يجب ان نتخلى عن انسانيتنا عن مطالبنا بالحياة الكريمة عن قيامنا بصناعة حياة جديدة لنا ، والسبب من هذا التخلي عن اهم خاصية وجدت على هذا الكوكب هي الانسانية التي تميزنا عن الموجودات الاخرى ، حتى يبقى السيد حاكم ونبقى نحن احياء بفضل السيد ، فالخوف من الموت الذي هو بيد السيد ايضاً نستمر بالوجود وندين بالفضل له ، وهذا الفضل هو نعمة وهو منه وهو عطاء من انسان حر قائد لهذا العالم وانسانه الاخير والقائم على وصول التاريخ الى نهايته في التطور المعرفي والعلمي والتقني وغير ذلك . فالخوف من الموت هو السر في بقاء السيد ومدى ما وجد عبيد غيرنا يتخلى عنا ويقدمنا للموت كضحايا لحروبه ومغامراته ، ويعود لنا ليدجننا مرة اخرى اذا ما فقد عبيده في مناطق العالم التي قد تحرج عن سيطرته . فلابد من البقاء احياء والسبيل الى ذلك هو الخضوع للسيد وافكاره العظيمة في نهاية التاريخ وانسانه الامثل .
• التخلي عن الانسانية من اجل الحياة يحولنا على وفق تصوراته الى الاقتراب من الحيوانية- وحسب وصف العبد كما في الاقتباس المأخوذ من كتاب نهاية التاريخ- هذه الحيوانية التي هي صفة العبد ، أي أن البقاء في هذه الخانة الحيوانية هي نتيجة للخوف الذي حولنا ضحية الحاجة للسيد ، غير قادرين على تجاوز تحديدنا البيولوجي أو الطبيعي ف تصور هوبس الذي يستند اليه فوكوياما في تصور من هم خارج تاريخه وانسانه المفضل .
• إن العبيد هم من تكون انسانيتهم ناقصة والنقص هذا يقربهم من الحيوانية والسبب هو فقدان حرية العبد ، أي إنسانيته الناقصة ، وهنا يتمكن السيد من السيطرة : فهذا الاخير يرغب بأن يعترف به من قبل كائن آخر يملك مثله قيمة وكرامة خاصتين به. لكن هذا الكائن الذي يمتلك الخواص نفسها غير موجود فهو بدلاً من ذلك يُعترف به من قبل العبد الذي بقيت إنسانيته غير مكتملة لأنه تخلى عنها لخوفه الطبيعي من الموت ، فقيمة السيد هي إذاً معترف بها من قبل شخص ليس إنساناً بالكامل ، وبالتالي سوف تستمر هذه المعادلة مادام ان الطرف الاقوى هو مستمر بسيطرته وقوته وتفوقه ، لا يمكن للعبد ان يجد له سبيل لوجود الحرية ابداً.
• هذه المعادلة توجد على وفق هذا التصور طرف منتج وطرف مستهلك ، لكن متى ما أراد ان تتغير المعادلة سلبت منه الحياة ، فكل ما يملك العبد هو ملك السيد بما فيها الحياة والوجود والانسانية وغيرها ، لابد من ان يكون في هذه المعادلة السيد هو من يوزع طريقة العيش والحياة والكرامة على وفق ما يريد ، بما ان العبد هو الذي يقبل بهذه المكانة وراض بها.
إذن ، على هذه التصورات والنظرة الى نهاية التاريخ والانسان الأخير نجد مكاننا نحن في خانة التبعية المطلقة التي افترضها لنا المركز ، فماذا نفعل حتى نتخلص من هذا المأزق ، هل نقاوم السيد الذي يمتلك القوة والسيطرة والتفوق في كل المجالات؟ ، أم نتخلى عن ما يوفره لنا من سلع ومواد وربطنا بنظامه الاتصالي ووسائله المختلفة التي اصبحت لنا بديلاً عن حياتنا البائسة في بلداننا التي صممها لنا بهذا الشكل بحكامها وانظمتها التي هي ادوات تنفيذ معادلة السيد والعبد ؟ هل نتحول الى مشاريع تسويقية ودعائية والى شعارات فضفاضة تدعي التخلص من هذا السيد دون وعي معرفي بأدوات الخلاص والاعتماد على النفس ؟ ، أم نركن الى الماضي المجيد والذي هو مملوء بالعقدة والافرازات السلبية والتي حولتنا الى فئات وطوائف وتيارات متصارعة على من هو الاحق بذلك التاريخ السعيد عند البعض والمزور عند البعض الاخر ؟.
كل هذه التساؤلات وغيرها خلقت لنا وضع مرتبك ، استفاد منه السيد في استمرار المعادلة على الشكل الذي يريده هو ، وما نحن الا أدوات منفذه لهذا المشروع الكوني .
من أجل تغيير المعادة فلابد من إعادة قراءة التاريخ والحاضر وبناء المستقبل بطريقة جديدة ، يأخذ فيها المثقف والمفكر وضع اسس لها ، ففي الغرب يجعل الانسان يفكر ويخطط دون عقد ومعرقلات ، فلا بد ان نبين ما هو انساننا العربي الجديد وما هو مسار تاريخنا نحو نهاية افضل وموازية لنهايات تاريخهم وانسانهم الاخير ، نحن لا نريد ان نكون خارج التاريخ او خارج الجغرافية ، أو السياسة العالمية ، ولا نريد العزلة أو الابتعاد عن المعرفة ولانخراط في النظام العالمي الجديد ، بل نريد ان تكون المعادلة متوازنة في حرية العيش والكرامة والحرية الحقيقية والتبادل المعرفي السليم . البحث في الاصول والثقافات المحلية هي خير وسيلة لبناء مجتمع معرفي حقيقي ، بعد أن نرفع منها كل المتناقضات التي تعرقل تقدمنا وتطورنا من أجل بناء أنموذج للإنسان العربي في مختلف بلدانه ، من أجل المساواة والحرية والكرامة .

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *