صدر كتاب (آفاق التنوع ) دار الفنون والآداب في العراق ودار حورس الدولية في مصر 2020.
نبذة مختصرة عن الكتاب :
تعد آفاق التنوع في مجتمع ما هي الفضاء المتكامل الذي يتشكل من مجالات متعددة ساهمت في صناعة الواجهة المعرفية والمدخليات الدالة على طبيعة وانتماء هذا المجتمع والتعرف على الصورة الأهم من صور التطور الثقافي والحضاري في المعطيات الفكرية والمادية فيه ، لإن الثقافة تتشكل من آفاق المعرفة التي عمل عليها أبناء المجتمع في تشكيل وعيهم المعرفي في مختلف مجالات الحياة وسبلها . فالثقافة بوصفها مفهوم مهم في بنية أي مجتمع في فنونه وآدابه وعلومه ، وهو مفهوم جامع لكل هذه الآفاق المتنوعة، أي الثقافة، قد تغيرت في المعنى من تعبير يخص محددات معينة ضيقة في الفهم وأخذت معنى أعم ، لذلك تحررت علائق لحقت بها وجردتها عن معناها الأعم، لتصبح بذلك التكوين الكلي الذي يشمل الفكر، والتربية، والأخلاق، والعادات، وغيرها، التي تدخل من ضمن آفاق التنوع المعرفي في المجتمعات.
فآفاق التنوع الحضاري يعطينا مفهوماً للثقافة بوصفها “مجموعة السمات المميزة الروحية والمادية، الفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً أو مجموعة اجتماعية، تنطوي فضلاً عن الفنون والآداب، على أنماط الحياة ، طرائق العيش معاً، منظومات القيم، التقاليد والاعتقادات (…) والممارسات والتراث الوطني الثقافي التراث الوطني المحسوس: مواقع أثرية طبيعية أو ثقافية . التراث الوطني اللامادي: لغات ، تقاليد شفهية ، معارف ومهارة تقليدية “([1]) وكل هذه الآفاق التي يمنحها الفعل الثقافي ينوع الحياة الأجتماعية ويزينها في اعين أبنائها من أجل التميز عن الآخرين في مجموعة الآفاق الثقافية .
إن آفاق التنوع تُلقي أهمية في العمل على تطوير المجالات المعرفية في مجالات عدة ، ومنها مجال الفنون وما يتبعها من أشتغالات في هذه الجوانب، وهذه تعطي لكل طبقات المجتمع حالة من العمل المشترك من أجل أبراز هذه الصورة في التعددية بحسب مرجعياتها الفكرية والثقافية ، وكذلك فإن التنوع في الآفاق قد يأتي من تعدد آخر ليس على مستوى الطبقات الاجتماعية، أو بحسب المستويات الاقتصادية ، حتى على المستوى العرقي، أو الاثني، أو الديني، وهذا التنوع في الأغلبية والأقلية- في هذه التقسيمات السابقة التي ترجع كلها الى انتماء وطني واحد وأرض واحدة تجمعهم- يسهم في فتح مجالاته وآفاقه الثقافية بحسب طبيعة الثقافة الخاصة لهذه الأقليات ، مثلاً في الفنون المختلفة التي تتجلى في” التراث الأجتماعي المشترك، والأجيال المتوالية في المجتمعات الإنسانية، وبسبب ماهيتها الموضوعية فإن لها القابلية على الانتقال والانتشار في الزمان والمكان. تشمل الثقافة النماذج السلوكية العينية والذهنية، من عناصر التراث الأجتماعي ، فهي جميعاً نتاج تاريخي لأجيال الأنسان المتعاقبة “([2]) التي تعطي للتنوع الثقافي صورته ووعيه الحقيقي لدى أبناء المجتمع الذي أتفق عليه فيما بينهم ، لذلك فإن آفاق التنوع في مجال النهضة الفكرية والثقافية للمجتمع قائمة على مدى إيمان هذا المجتمع وانتماءاته بها .
إن أي مظهر من مظاهر الثقافة عند تواجده الواقعي تكون له سمات ومعالم واضحة للعيان في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية ،ولابد أن تكون له أرض خصبة ساعدت في نشوئه وبلورة الصورة الأولى له ، وكذلك لابد أن يكون لهذا المظهر جذور ممتدة في المجتمع الذي نشأ فيه .
والمظاهر الثقافية سواء أكانت (أدبية أو فنية )، وعلى مر العصور قد نلاحظها ظهرت وتطورت لإن المجتمع الذي ظهرت فيه كان مهيئاً لها ، ومن هذه المظاهر المسرح .
فالمسرح عند الإغريق مثلا لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة لحاجة المجتمع إليه من جهة وتوفر البيئة الملائمة لنشأته وكان من أولها الطقوس الدينية من جهة أخرى، لذا “نجد أن محاولة تمثيل التجربة الميتافيزيقية عن طريق التجسيد الحركي قد ولدت نوعاً من العروض الطقسية الدينية عالجت فيها الإنسان وعلاقته مع محيطه الكوني الذي يتخطى الواقع المحسوس. ومن هذا النشاط الحركي المعرفي نشأت “([3]) الصورة المسرحية الأولى عند الإغريق، وانتشرت من خلالهم الى بلدان مختلفة، والوطن العربي جزء من هذه المناطق التي وصل إليها المسرح على يد (مارون النقاش1848)، الذي نقل مشاهداته إلى لبنان من أوربا ، ثم انتشر المسرح بعد ذلك في مصر ثم في عدد من الدول العربية ومن بينها العراق.
وظهرت في محافظة ميسان التي تقع جنوب العراق عروضاً مسرحية متنوعة شهدت في بداية العشرينات والثلاثينات نشاطاً مسرحياً بارزاً شارك في تجسيده مجموعة من أبنائها ، عندما تهيأت لهم الظروف المناسبة ، فقدموا عروضاً تمثيلية مختلفة اتسمت بالطابع الديني تارة ،وبالطابع الاجتماعي والتعليمي تارة اخرى ، وساهمت تلك الممارسات التمثيلية في تطور الحركة المسرحية في المحافظة.
[1] أرمان ماتلار : التنوع الثقافي والعولمة ، ترجمة : أ.د خليل أحمد خليل ، بيروت : دار الفارابي ، 2008، ص 195، ص196.
[2] محمد جواد أبو القاسمي : نظرية الثقافة ، بيروت : مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ، 2008، ص62،ص63.
[3] نهاد صليحة : المسرح بين الفن والفكر بغداد :دار الشؤون الثقافية العامة، 1985، ص23.