صدر للأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي كتاب بعنوان (الرد بالجسد وخطابات أخرى ) عن دار نينوى للدراسات للنشر والتوزيع في سوريا، ودار الفنون والآداب في العراق. 2017
نبذة مختصرة عن الكتاب
إنَّ الفنون بمختلف أنواعها ساهمت ايضاً في حركة النقد للإرث الكولونيالي وكشف ما هو مؤثر في الحركة الثقافية الغربية على البيئات الثقافية المحلية ،ومن بين الفنون المسرح الذي استخدم من قبل المبدعين في نقد الثقافة الكولونيالية ، والشواهد في هذا المجال عديدة ومنها ما استخدم في داخل الفضاءات الثقافية الغربية ذاتها ، ومنها ما استخدام في إخراجها وقد ذكرنا في كتابنا – الذي يحمل عنوان ( الإشكالية الثقافية لخطاب ما بعد الكولونيالية / المسرح انموذجاً )- العديد من هذه المسرحيات ، ففي الداخل الغربي قدمت مسرحيات لـ( جان بول سارتر ) مثل مسرحية( الشيخ والغانية ) التي تنتقد التعامل مع ( الزنوج ) ومسرحية ( أنشودة انغولا ) لـ( بيتر فايس ) ،ومسرحية ( أنظر خلفك في غضب ) لـ ( جون ازبورن ) ومسرحية ( كل أبناء الرب لهم اجنة ) لـ ( يوجين أونيل ) . أما في خارج الفضاءات الغربية فقد قدمت مسرحية( Vincent O. Sullivan ) وتتناول موضوع السكان أصلانيين في أستراليا ومعاناتهم مع المستعمرين ، ومسرحية ( ساندي لي ) وتتناول صورة الأبتزاز الجنسي ممثلاً بصورة آمرأة تمثل قارة ( آسيا ) وتخضع للرجل الغربي الأبيض ([1]) .
إنَّ هذه الأعمال المسرحية وغيرها كان هدفها الرد الثقافي بالضد من الخطابات الكولونيالية ، والهدف الأساسي لهذا الرد هو المغايرة الأفعال الكولونيالية وتفكيك ما هو مخفي حتى تتضح النوايا من وراء الإستغلال الثقافي للإنسان المهمش والذي وقع تحت تأثير ثقافة مؤدلجة تعمل من أجل جعل الشعوب تغادر كلما هو أصيل ثقافياً لصالح البديل الثقافي ، وما ينتجه من هيمنة تشوه المحلي لصالح العالمي وإخضاعه تحت سلطة المركزية الثقافية ، لذلك فالهدف الأسمى للمسرحيات ما بعد الكولونيالية هو كشف التعمية الثقافية التي تمارس ضد الثقافات الرافضة للمرويات الكبرى للخطاب الغربي ومركزيته ، فالمسرح كفعل درامي هدفه أيضاً إعادة هذه المرويات الكبرى ولكن بصورة مغايرة للرواية الرسمية ،أي إعادة رواية ” الجانب الآخر من قصة البيض الغزاة وذلك بغية مناهضة الرواية الرسمية للتاريخ والمحفوظة في النصوص الإمبريالية وكما هو الحال مع الرواية التي قدمها المستعمر Coloniser للتاريخ فان لغته ايضاً شغلت وضع السيادة وهو الوضع الذي يجب مسائلته وتفكيكه كجزء من مشروع تفكيك الاستعمار ” ([2]) وفكر الكولونيالي ثقافياً وفنياً .
إنَّ هذا الكتاب الذي جعلنا له عنوان ( الرد بالجسد وخطابات أخرى ) وهو الكتاب الثاني بعد كتاب ( الاشكالية الثقافية لخطاب ما بعد الكولونيالية ) الذي يتناول نقد الكولونيالية ثقافياً من خلال خمسة خطابات تتناول خمسة رؤى هي (والرد بالجسد ، ودراماتيك استشراق ، وفاعلية الخطاب النقيض ، الغيرية ، والإرهاب الفكري ) وهذه الرؤى هي جزء من عالم أوسع في النقد للفضاءات ثقافية الكولونيالية ، ومن الممكن ان ندونها مستقبلاً في مداخلات أخرى في مجال النقد ما بعد الكولونيالي ،عسى أن تسهم هذه الخطابات الخمسة في رفد الدارسين في مجال الفنون المسرحية لتوسيع آليات التحليل والتفكيك ونحن نعيش في زمن استعماري من نوع آخر ، ألا وهو الاستعمار الثقافي لوطننا لعربي وتحت مسميات اخرى وأفعال كولونيالية جديدة وهي امتداد للإرث الكولونيالي القديم
[1] . ينظر : الساعدي ، محمد كريم ، الإشكالية الثقافية لخطاب ما بعد الكولونيالية ، دمشق : دار أفكار للنشر والتوزيع ، البصرة : دار الفنون واللآداب ، 2016، ص 120 – 147 .
[2] . جيلبرت ، هيلين ، جوان تومكينز : الدراما ما بعد الكولونيالية ، ترجمة : سامح فكري ، القاهرة : اكاديمية النون الجميلة ، 2000 ، ص 18 – 19 .