إنَّ الثنائيات المتقابلة هي اهم ملامح الاستشراق القديم وحتى الحديث الذي يميز بين الحضارتين وشعوبهما ، وسمح للعقل الغربي ان ينتج قوانين تفوقه على الآخر الشرقي تحت مفهوم التفوق في إدارة العالم ،وجعل من الشرق هامش وبعيد عن دائرة الحضارة العالمية ، التي استندت لنظرية التفوق الأوروبي (الغربي) ، وحسب بعض المفكرين الأوروبيين ومنهم الالماني (ماكس فيبر)، الذي يميز بين الشرق والغرب وتحديداً بين الحضارة الأوروبية والحضارة الشرقية بمفهومين هما: (العقلانية) التي يربطها بالتطور الاجتماعي ، التي يعتقد ان هذا التطور الاجتماعي وانتاج المؤسسات والنظام القانوني وعلامات التفوق الأخرى هي من انتجت فكراً عقلانياً متطوراً عما انتج في الحضارات الاخرى ومنها الشرقية . أما المفهوم الثاني ، هو (الاستبداد الشرقي) ،الذي أصبح سمة الحضارة الشرقية والتي يربطها بأن شعوب آسيا ومصر القديمة اشتغلت بالزراعة والبيئات الجافة، وبالتالي فأن هذه البيئات والنظام الزراعي انتجت نظام دولة استبدادي غير ديمقراطي ، بسبب ان الدولة كانت تجبر الشعب على الاشتغال بأعمال الري وتوزيع الماء وغيرها من الاعمال التي تجعل من الشعب ليس متحكم بهذه المصادر الطبيعية ،بل تابع لنظام مستبد يسخر الشعب لمصلحة الحاكم .
أما المؤرخ والاكاديمي الثاني فهو (إريك جونز) ، الذي يقدم مفهومين في التفوق من خلال كتابه(المعجزة الاوربية الصادر في (1981) اثنين من المفاهيم الخاصة بالتفوق الاوروبي هما:(التوسعية) ،التي يرى فيها ، بأن الأوروبيين يتمتعون بأتجاه طبيعي لتوسيع الحدود ابتداءً من (كولومبوس وفاسكو دا جاما) للوصول الى اختراق العدم والمجهول والبحث عما يجعل امكانية التوسع حق مشروع ، الذي بُني عليه الاستعمار فيما بعد ، اما المفهوم الثاني (التفوق الأوروبي) الذي يشير الى مصطلحين المقابلين لمفهوم التفوق هما (افريقيا البدائية ،وآسيا البربرية) ،الأولى (افريقيا البدائية) التي كانت متخلفة وكانت فقط مصدراً لتجارة العبيد الذين وجدوا فقط للخدمة فهم لا يمتلكون ما يقدموه للحضارة العالمية ، والمصطلح الآخر(آسيا البربرية) ، وشعوبها التي لا تمتلك امكانيات التطور في هذه القارة المترامية الاطراف ،وغير قادرين على التطور بسبب بربريتهم وطبيعة حياتهم ، مما أعطى هذا المفهوم حق لتوسع الحضارة الغربية على حساب الآخر.
إنَّ ملامح الاستشراق الغربي أخذت في نسقها المعرفي ان ترتكز على نقاط مهمة حاول من خلالها بناء نظام ثقافي خاص بالشرق وما يقع من اراضي ومجتمعات خارج العقلية الغربية ومجتمعاتها، ومن أهم هذه النقاط التي سيبحثها الباحث في المسرح الغربي قبل المنتصف الثاني من القرن العشرين ، هي الاتي :
1. إنَّ النظام الغربي في منطلقاته الفكرية والثقافية قائم على الجانب العقلاني ، التي تؤهله الى ان يكون متفوقاً ومتقدماً ويمتلك اسس القيادة السليمة للعالم ككل وليس لجهة معينة ، بل من حقه وواجبه إنَّ يتمدد على حساب الآخر من أجل بناء نظام مركزي موحد أساسه ومرجعياته الفكرية والثقافية العقل الغربي .
2. إنَّ من مبررات التفوق قائمة على صفات الاخر التي تتصف بحسب علاقاتها ، او مقاومتها لهذا الفكر الاستعلائي على الآخر ، إذ تتصف آسيا بالبربرية تارة أو المتوحشة تارةً أخرى ، حتى لا تشكل مبرراً لعدم التدخل إذا ما وصفت بالعقلانية، أمّا العقلانية الأوربية بل يجب أن تكون أقل ترتيباً في السلم العالمي للشعوب بحسب حضارتها واسهاماتها العالمية . وكذلك وصف افريقيا بالبدائية ، إذ لابدَّ من إيجاد عقل متحضر يستطيع أن ينقذها من بدائيتها ، والعقل الغربي هو المؤهل لذلك ، مما يجعل مبررات التمدد واضحة ، بالإضافة الى تفوق اللون الابيض مقابل اللون الأسود الافريقي والأصفر الآسيوي .
3. نظام الفوضى والغرائبية التي تحكم الشعوب التي تقع خارج الحضارة الغربية، كالشعوب الآسيوية والافريقية ، وكذلك اضفاء الصفات ذات الطابع السحري والغامض من أجل جذب أكبر عدد من الباحثين عن الاثارة في الشرق وكنوزه التي ترتبط بالأساطير والميثولوجيا الغرائبية ، حتى إنَّ الاستعمار الباحث عن التوسع والأمتداد على الآخر جعل من الفوضى مبرراً لاستعباد الشعوب الآخر من أجل تطويرها وتحريرها من التخلف .ربط الثقافات الأخرى بالثقافة العالمية الغربية من خلال التوسع الثقافي ومقابل الاستسلام الثقافي ، والتنظيم مقابل الفوضى ، وتحرير الثقافات مقابل الأستبداد الشرقي ، كل هذه الثنائيات جعل منها العقل الغربي واستشراقه من ملامح الآخر، الذي يجب أن يخضع للنظام العالمي تحت قيادة غربية .