تعد الأصوات الناتجة من مصادر مختلفة من حولنا ، معلومات تدلنا على مصادر هذه الأصوات وأشكالها وصورها، فالصوت يحيلنا إلى شكل المصدر، مثلاً إن الأصوات الناتج من ضربة المطرقة على السندان يحيلنا إلى مهنة الحدادة أو صورة ذهنية قريبة من هذا العمل وما يحاول تصنيعه من سيوف ودروع أو أوانٍ نحاسية و معدنية ، أو سماع صوت نوع من أنواع الطيور أو الحيوانات فيحيلنا إلى شكله ومكانه والبيئة التي يعيش فيها، ونفس الشيء ينطبق على الأصوات الأخرى الصادرة من الإنسان أو الآلات كالسيارات والقطارات والطائرات وغيرها .
وللصوت انطباعات أخرى في داخلنا فهو يدخل في تكوين الأحاسيس والمشاعر المختلفة أي أنه مهدد أو منتحب أو مهدئ أو مقبـض أو قــاسي أو رقيق أو منــوم بمقتضى مــا ينطوي عليه من كيفية خــاصة، وما قيل بصفة عامة على قدرة أي فن على تناول أية مادة طبيعية غفل تحويلها بفعل عمليتي الانتقاء ( الاختيار ) والتنظيم إلى واسطة قوية مركّزة لبناء خبرة ما من الخبرات, من خلال الأصوات تصل المعلومة ويخلق الإحساس في داخلنا وتتشكل الصور في أذهاننا، والمعرفة ما يلعبه الصوت في تنمية الجانب المعرفي للمستمع سنتناول الموضوع من خلال الفقرات الآتية :
أولاً : عملية الإدراك الحسي والعقلي للصوت :
يعرف الإدراك بأنه حالة التعرف على شيء حاضر بالنسبة لعلاقته ببعض أعمال التكيف، والفعالية الإنسانية عبارة عن تكيفات متعاقبة، وتشمل عملية الإدراك على الأكثر أعمالاً تكيفية، فالإدراك يحتوي على وضع منبه، وتكيف انتباهي له وإضفاء معنى أو أهمية للمنبه بالنسبة للعمل الراهن أو بالنسبة للحالة المزاجية التأملية في الإجابة على ما نتلقاه والمقصود بالمنبه هو موجة طولية في الهواء محصورة المدى، وهذه الاهتزازات تختلف من عدة وجوه في طول الموجة أو في اتساعها وفي تعقد الموجة الاهتزازية ويعود كل من هذه الوجوه إلى نوع خاص من الإحساس الناشئ “(3) عند المستمع والتي تختلف – أي الاهتزازات – ما بين ( 16 – و – 3800 ) هذه أي ذبذبة في الثانية الواحدة، ويتألف من تلك الاهتزازات من أصوات ما لا
يحصى عدداً، ولكن هذه الأصوات ليست كلها بالأصوات الموسيقية، إذ لا تستسيغ الإذن منها إلا
ما كان عدد اهتزازاتها محصوراً ما بين ( 40 – و – 4000 ) في الثانية الواحدة.
إن عمليــة السمع تشكل من مجموعة من الأعضاء الحسية والتي تقع في الأذن الداخلية، حيث إن الاهتزازات في الهواء vibrations التي تشكل المنبهات المؤثرة للسمع تتجمع بواسطة الأذن الخارجية، وتنتقل خلال القنال السمعي إلى الغشاء الطبلي أو طبلة الأذن، وحين يهتز هذا الغشاء تنتقل الاهتزازات بواسطة ثلاثة عظام صغيرة جداً إلى غشاء آخر في الأذن الداخلية الذي يحرك بدوره السائل في الأذن الداخلية؛ وأخيراً تؤثر هذه الاهتزازات على الخلايا السمعية التي هي الخلايا الحسية للسمع – وتوقف هذه الحجيرات الشعرية الصغيرة نفسها إلى مختلف أصناف الاهتزاز وتشكل عملية الأصوات المختلفة ، ولكن هل أن عملية تشكيل الأصوات في داخل المساحات الدماغية هي وحدها كافية لإضفاء معنى للأصوات المسموعة وإحالتها إلى شيء مفهوم للمستمع ؟ أم إن العملية تحتاج إلى عوامل أخرى مساعدة لتكوين المعنى للأصوات المسموعة .
إن تكوين المعنى يحتاج إلى خطوات إضافية وعوامل مساعدة، لأن الإدراكات الحسية المتنوعة للحقيقة الموضوعية ذاتها تعزى إلى اتجاه الملاحظ العقلي Attitude نحو ذلك الشيء وأيضاً إلى خبرته السابقة إن أساس عملية الإدراك الحسي أنها عملية إضفاء معنى على الحقائق الحسية التي ننتبه إليها، ويعتمد المعنى المضفي إلى ما نرى ونسمع أو نتذوق في تفسيرنا الخاص للخبرة الحسية؛ ويوقف هذا التفسير مباشرة على خبراتنا مع حقائق حسية مشابهة في الماضي وبدورها تساعد على صياغة وتوضيح المعنى للأصوات والتي تخزنها فيما بعد لتصبح خبرة سابقة نتعامل بها مع المواقف الجديدة في المستقبل .
ثانياً : أنواع الأصوات وصفاتها :
يصنف المختصون في مجال علم الصوت، الأصوات إلى نوعين : حيواني وغير حيواني ويرون أن الأصوات غير الحيوانية تنقسم إلى نوعين، طبيعية وآلية، فالطبيعية هي ما يخرج من الطبيعة كصوت الرعد والرياح وهدير الأمواج والأنهر والخشب والحديد والحجر وما يشبهها، والآلية هي التي تخرج من لأوتار والمزامير والأبواق والطبول والنقارات وأيضاً السيارات والقطارات وضرب الحديد وأصوات المصانع والطائرات وغيرها، أما الأصوات الحيوانية فتنقسم إلى نوعين هي ناطقة، وهي أصوات إنسانية وغير ناطقة وهي أصوات الحيوان، وصوت الإنسان نوعان الأول – هو الصوت الذي لا تهجئة كلامية له كالضحك والبكاء والصياح، والثاني – هو الذي ينتج عن الكلام المهجأ.
وللصوت حدة وغلظة وطنين ورنين حيث نرى أن هذه الصفات لها دور مهم في التأثير على نوعية الصوت وتغيره ووقعه على الأذن على اعتبار إنه يتولد من ذبذبات معدودة في الثانية الواحدة وعلى ذلك يمكن تصنيفها بحسب صفاتها وأثرها على الإحساسات السمعية وما تنتجه من ذبذبات، فالصوت الغليظ ينتج ذبذبات بطيئة والصوت الحاد ينتج ذبذبات سريعة وبمعنى آخر إن قل عدد الذبذبات كان الصوت غليظاً، وإن زاد كان الصوت حاداً وللصوت وقع على الأسماع تتعدد أنواعه، فمن هذه الأنواع طنينه، وهو مدة مكثه مسموعاً في طبقة واحدة، ورنينه وهو طبيعته التي تميزه عن غيره من الأصوات ليس من جهة حدته وغلظه وحسب بل من جهة أصله ومنشئ، فإن صوت الخشب مثلاً أو الحديد أو الحجر ليس كالصوت الذي ينبعث من النقر على وتر أو النفخ في بوق أو ناي أو من الصوت الإنساني .
إن الإحساسات السمعية الناشئة من الأصوات يمكن إعطاءها أيضاً تصنيفاً تقريبياً بحسب الصوت ومصدره إلى أنغام وأصوات لأن كلا النوعين له أثر على حاسة السمع وطريقة الاستقبال ومدى تأثيرها على الأذن فالأنغام تكون ناعمة نسبياً بينما تكون الأصوات غير منتظمة، وتختلف الإحساسات في الشدة، وذلك يعتمد على طول الموجة المنبهة، كما تختلف في الارتفاع، ويعتمد ذلك في سعة الموجة التي يستقبلها المستمع
ثالثاً : ما يثيره الصوت في المتلقي :
إن للصوت تأثيراً في المستمع فهو يدخل في العملية الاتصالية كجزء مهم فيها، فهو يعد ناقلاً للأحداث والأخبار التي تقع في الحاضر والتي يكون لها أثر ما في المستقبل، فهو ينقل إلينا ما يتوعد أو يتهددنا، كما يحمل إلينا أصداء ما هو جارٍ على قدم وساق، ولهذا فإن الصوت مشحون – أكثر من البصر – بالإحساس بالعواقب، نظراً لأن هناك هالة من اللاتحدد والارتياب تحيط دائماً بكل ما يوشك على الوقوع، أو ما هو في حكم المستقبل القريب وتلك ظروف ملائمة بطبيعتها للاستثارة الانفعالية .
والصوت غير المنظور له تــأثير أقوى وفعاليــة أكثر إذا لم يـــصاحب الصورة المرئية فمثلاً يمكن أن تنشئ الأصوات غير المنظورة جواً شاملاً مشحوناً بالفزع، وعناصر الحكاية التي تضاعف وتكشف استجابتنا الشعورية – صلصلة السلاسل، خطوات مكتومة على سلم ذي حرير، صرخة مختلفة، فتح باب يزيق، عواء ذئب أو حتى أصوات مبهمة لا تميز – تكون أقوى تأثيراً في أحاسيس المتلقي للحدث .
ويستطيع الصوت أن يثير في مزاج المستمع حالات تتصف بالتوتر وعدم الارتياح بحسب حدة الصوت وشدته وإيقاعه لأن الصوت يمكنه أن يؤثر كثيراً في استجاباتنا لكل نوع من الضوضاء فالأصوات ذات الذبذبة العالية هي ماضية عموماً وتحدث إحساساً بالتوتر لدى المستمع، وإذا استمرت هذه الضوضاء، طويلاً فإن الحدة القاسية يمكن أن تكون مثيرة للأعصاب تماماً والأصوات ذات الذبذبة الواطئة تكون ثقيلة وأقل توتراً من الأصوات الحادة .
وكذلك يستطيع الصوت أن يدخل عاملاً مهماً في تكوين البنية الإيقاعية للمستمع على اعتبار إن البيئة الصاخبة بالمؤثرات الطبيعية كالرياح والحرارة والزلزال وحركة موج البحر تفعل فعلاً كبيراً في بنية الإيقاع الذاتي للإنسان ومحتواه، كذلك الأمر مع طبيعة مؤثرات البيئة الصناعية وحركة السوق الصاخبة، من هنا صارت للإيقاع الذاتي الإنساني في المجتمع الزراعي سمات وصفات يختلف بها عن سمات وصفات المجتمع الصناعي أو التجاري، إن طبيعة المؤثر الصحراوي ( الصوتي ) بل أقول ( الإيقاعي ) تختلف عن طبيعة المؤثر المائي ( البحري ) وهو ما يمكن أن نسميه أيضاً بـ ( الصوتي الإيقاعي ) وباختلافهما اختلفت طبيعة إنسان الصحراء عن إنسان الحر وتبدلت تبعاً لذلك ذائقة هذين الإنسانين.
وأخيراً يستطيع الصوت أن يؤثر في المتلقي وينقله شعورياً إلى زمان ومكان ما في الماضي عاش فيه لحظات فرح أو حزن، فهو يدخل كعامل أساسي في جلب ذكريات من الماضي من خلال إيجاد أصوات مشابهة لما كانت عليه الحالة الشعورية في ذلك الزمان أو المكان المقصود تذكره من قبل المتلقي .