إن الفعل الذي تنطلق منه كلمة الذاكرة ، يدل على استمرارية صورة الشيء أو اللفظ في الحفظ ، وذلك من خلال ان يكون واقعاً أولاً ثم يتحول صورة في الذهن ، على اعتبار ان الذاكرة هذه القوة النفسية الحافظة للأشياء في الذهن قادرة على استدعائها عقلياً بمقتضى الحاجة اليها ، وهنا تصبح العملية بوجود مادة (صورية ، سمعية ، …..الخ) تشاهد أو تسمع … الخ ثم يتم حفظها وتجريدها في الذهن أو تحويلها الى صورة ذهنية أو علامة ذهنية سواء كانت حركية سمعية بصرية وغيرها ، يتم استدعائها وقت الحاجة أو عند الضرورة من خلال استثارتها أو عرض عليها نفس المواقف السابقة التي حصلت فيها ، أو تقريب الشيء يكون قريب لها في المعاني مثلاً ، أو غيرها من المحفزات النفسية .
وفي مجال الفلسفة يرى عدد من الأكاديميين في الموسوعة الفلسفية بأن الذاكرة هي : حفظ الذات لنتائج تفاعلها مع العالم الخارجي مما يجعل في إمكانها ترديد واستخدام هذه النتائج في نشاط لاحق وترتبط الذاكرة بالتفكير وأشكال النشاط الناشئة كنتاج لها تتم بعملية التفكير نفسها . ويتكون محتوى الذاكرة الأولية من غير الكلامية من نماذج ذهنية للواقع تكونت من خلال العلاقة المباشرة بين الذات والموضوع ، ويتوقف تكوينها على اتصال تأثير الموضوعات من حيث الوقت ، وعلى نوع الحاجة التي تحدد طبيعة التفاعل ، وفي الذاكرة الكلامية العليا – التي تقوم على الذاكرة الأولية – تثبت نماذج للعلاقات الموضوعية بين الأشياء .
والذاكرة هي : وظيفة نفسية قوامها معاودة أنتاج حالة وعي سابقة ،وبالتعميم ، كل حفظ لماضي كائن حي في حالة هذا الكائن الراهنة باعتبار الذاكرة في هذه الحالة من التعميم ، هي وظيفية عامة للجهاز العصبي ، أما الذكرى فهي حفظ ذكرى واقعة كتخليد ذكرى رجل عظيم أو حدث مهم في ذاكرة الشعوب و الذاكرة النفسية بحسب تعريف (لالاند) تعد الذاكرة الأرفع والأعقد في تصنيفاتها . أما في (المعجم الشامل) فأن الذاكرة تأتي بالقدرة على تذكر الأحوال الانفعالية القديمة ، والذاكرة الحسية ، وهي البسيطة التي تأتي بالأحداث من باب التذكر الخام ، والذاكرة المنظمة ، وهي ذاكرة المعاني التي تنظم الذكريات على وفق ما يوظف معها من تفسيرات وتأويلات ، وكل هذه الأنواع الثلاثة هي من وظيفة الجهاز العصبي ، وهذه الوظيفة عامة له ، نشأت من اتصاف العناصر الحية وبخاصة الاحتفاظ بالتبدلات التي تطرأ عليها وربطها بعضها ببعض ، للوصول الى ما يراد استحضاره وتقديمه في مواقف معينة ومحدودة ومقصودة في اغلب الأحيان وغير مقصود في أحيان أخرى .
ويأتي مصطلح الذاكرة على أنها القدرة على إحياء حالة شعورية مضت وانقضت مع العلم والتحقق أنها جزء من حياتنا الماضية . وقد عرفها حكماؤنا القدماء بقولهم : أنها قوة تحفظ ما تدركه القوة الوهمية من المعاني وتذكرها (التهانوي) ، أو قولهم :أنها قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ من شأنها حفظ ما يدركه الوهم من المعاني الجزئية (ابن سينا) ، وتسمى عندهم حافظة ايضاً .. ووظيفة الذاكرة بهذا المعنى هي حفظ والتذكر.
أما الفيلسوف الفرنسي (بول ريكور) ، يرى أن الذاكرة هي ما يمثله الماضي من صور ، التي تشكل قيمة حضورية عند استثارتها وهي لا تأتي الا في سياق خاص ابعد من اللغة العادية أو التمثيل البسيط ، فهي يمكن ان ترتبط بالخيال الذي يعده في أول وابسط سلم المعرفة ، لذلك فهو يقول ان الحضور الذي يشكل قوام تمثيل الماضي يبدو انه حضور صورة . فنحن نقول بلا تمييز بأننا نتمثل حدثاً ماضياً، أو إننا نتصوره أي عندنا صورة وهذه الصورة يمكن ان تكون شبه بصرية أو سمعية.
إن علم النفس يحدد الذاكرة بأنها الوظيفة العقلية التي يتم بموجبها اكتساب المعلومات واختزانهما ثم استدعاء ما يلزم منها عند الطلب ، وبالتالي فأن هذه الوظيفة العقلية التي ترتبط بالجوانب النفسية والاجتماعية الداخلية والخارجية تعمل على وفق رؤية (جوناثان كيه فوستر) الى استحضار المعلومات والتعامل معها في سياق تأثيرها وحضورها في التجربة أي ان الذاكرة لديه هي ليست مجرد استدعاء معلومات صادفناها في فترة سابقة الى أذهاننا ، فكلما أثرت تجربة حدث سابق على شخص ما في فترة لاحقة ، فأن اثر التجربة السابقة يُعدُ انعكاساُ لذكرى ذلك الحدث السابق.
لذلك فإن تحديد مصطلح الذاكرة هو ما يشير الى الذاكرة والتاريخ ، فالذاكرة وهي بمعناها المجرد والأعم تلك الميزة لدى الكائنات الحية التي بفضلها تترك الأشياء التي يخبرها المرء ، خلفها أثارا تقوم بتعديل التجربة والسلوك في المستقبل ، فالإنسان له تاريخ بفضل وجود الذاكرة ، وهذا التاريخ سجل في داخل النفوس ، وتكمن وراء كل تعلم ، لان طابعها الجوهري هو الحفظ.
ان الذاكرة على وفق ما قدمناه سابقاً من تعريفات مأخوذ من معاجم مختلفة في اللغة والفلسفة وعلم النفس وغيرها مهمتها الأساسية هي حفظ المعلومات التي تتأتى من التجارب الإنسانية ، فهي تمثل الذات الإنسانية في تعاملها مع الموضوع الذي يتشكل من خلال الصور سواء كان هذا التشكيل سمعي أو بصري أو حتى تدخل الحواس الأخرى ، فالذاكرة هي مجال لحفظ المعلومات ترتبط بعملية عقلية قوامها التفكير الإنساني الذي يعمل على تكوين نماذج في الذهن وهذه الذاكرة الفردية هي جزء من ذاكرة جمعية تحفظ لنا التاريخ في داخل النفوس ، فهي على علاقة مع ما يدون في التاريخ وعلى علاقة بتشكيل الوعي الجمعي الذي يتحول تدريجياً الى صيغ وعلامات تدخل في بناء القيم الإنسانية.