الاندماج الإفتراضي والهوية الرقمية / الأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي

إن عملية الاندماج فيْ العالم الإفتراضي، تعطينا واقعاً جديداً تكون فيْها الهوية الحقيقية فيْ محك من التأكد، من مدى تواجدها بشكل كامل فيْ ضوء معطيات جديدة، قد تفرضها الظّروف الإفتراضية فيْ الفضاء الرّقمي، من يولد لدى المُستَخدِم فيْ هذا العالم حالة من عدم التّطابق بين هويتين الأولى الحقيقية، التّي من الممكن أن تتأثر بهذا العالم الجديد، والثّانية هي التّي يقدم بها المُستَخدِم نفسه؛ ولكن بإختيار جديد فيْ أغلب الأحيان قد يلغي فيْه العديد من المظاهر، التّي كانت تدل على هويتهِ الواقعية إستناداً للرغبات، التّي يريد أن يوجدها له فيْ هذا العالم، وكان البعض يريد ان يعطينا تصور آخر لشخصهِ، كانت كامنة فيْ دواخله ولا يستطيع أن يخرجها لنا فيْ الواقع المعاش، لذلك فأن أفضل ظهور سيكون له بشخصيته الجديدة، وبهويتهِ ومواصفات جديدة فيْ هذا العالم الإفتراضي، الذّي يحاول أن يندمج فيْه ثقافيْاً ونفسياً، وحتى يجمل معه بعض ملامح البيئة الاجتماعية، التّي لا يستطيع ان يتنصل عنها فيْ مثل هكذا ظهور، لأنها قارة فيْ سلوكياته المنطبعة فيْ ذاته، ومهما حاول أن يبتعد عنها، فأنها ستظهر بطريقةٍ أو بأخرى فيْ العالم الإفتراضي، وفيْ الوقت نفسه يوجد مستخدم آخر يحاول إيجاد تطابقٍ بشكل كبير، بين الهويتين الحقيقية / العالم الواقعي والإفتراضية / العالم الإفتراضي، ويحاول أن يحقق إندماجاً فيها ويريد من ذلك أن يكون ظهوره بشكلٍ متساوٍ بين العالمين، وبتأثير متبادل بين العالمين فيْ الصّورةِ والماهية والمكونات الأخرى، لذا فأن هذهِ الإشكالية فيْ الظهور للمستخدمين فيْ العالم الإفتراضي، قبالة العالم الواقعي سيعطينا أنواع من المُستَخدِمين، وحسب نوع الإندماج والظهور؛ وأي الهويتين أكثر ظهوراً فيْ هذا المجال؛ لذا فأن شكل الهوية والظهور سيكون كالآتي:
1. هوية واقعية فيْ العالم الإفتراضي: هكذا نوع من الهويات تكون متوافقة مع الشّخص ذاته، أي أن ظهوره يكون فيْ هذا العالم الإفتراضي، كما لو أنه فيْ عالم واقعي دون أن يغير من ملامح الصّورة، كأن يضع صورةً رمزية أو تعبيرية أو يتخذ من بعض المناظر الطّبيعية، كالورود والأشجار وغيرها، بديلاً عن صورته الايقونية، التّي تدل عليه فيْ هذا العالم الإفتراضي، وهنا من يحاول الظّهور بواقعية فيْ العالم الإفتراضي دائماً، تشمل الشّخصيات العامة، مثل السّياسيين، أو الموظفيْن الحكوميين المهمين، أو أساتذة الجامعات أو مديري الدوائر، أو الشّخصيات الإجتماعية المهمة، التّي لها ظهور حقيقي وواقعي فيْ كلا العالمين، مثل رجال الدين والشّخصيات المجتمعية وغيرها، وفيْ أحيانٍ قليلة بعض النّاس العاديين، الذّين يضعون صورهم الايقونية فيْ هذا المجال، وكأنه يريد أن يقول: إنه متطابق مع واقعه، وليس لديه أي رغبة بالظهور فيْ هذا العالم بشخصيةٍ أخرى وهوية افتراضية أخرى.
2. هوية افتراضية فيْ عالم إفتراضي: هذا النوع فيْ الظّهور فيْ العالم الإفتراضي يكون (لأشخاص / مستخدمين) يريدون أن لا يفصحوا عن حقيقة هوياتهم الواقعية، لأن هذا الظهور هو فيْ عالم إفتراضي، ويجد هؤلاء الأشخاص من الصّائب إلا يظهر بهويته الواقعية؛ لأن التّواجد فيْ هذا العالم، هو من أجل الهروب من العالم الواقعي، أو من أجل الوصول إلى أهداف أخرى، قد لا تمكنه هويته الواقعية من الوصول إليها، وذلك بسبب مهنته مثلاً، أو بسبب موقعه الإجتماعي ،أو الظّهور فيْ هذا الواقع الإفتراضي من أجل التّسلية والتّرفيه، الذّي لا يتطابق فيْ بعض الأحيان مع عمرهِ أو جنسهِ أو دينهِ.
3. الهويتان وظهورهما فيْ العالم الإفتراضي: وفيْ هذا النّوع من الظّهور، يريد المُستَخدِم أن يقدم فيه هويتين، الأولى واقعية، وهذهِ الهوية يريد ظهور جزءاً منها مرتبطة، مثلاً: بالجانب الإجتماعي دون أن يظهر الجانب النّفسي، أو الفيْزيقي المرتبط بهويتهِ الواقعية، أو يريد أن يظهر وظيفته مثلاً؛ دون ان يظهر معها الجانب الإجتماعي والنّفسي، وغيرها من الجوانب المرتبطة بالهوية، وهنا ما يكمل الهوية الأولى الواقعية هوية إفتراضية فيْ هذا العالم الإفتراضي، تكون فيْه الجوانب الأخرى تقع على الهوية الإفتراضية مثلاً: إذا أظهر الجانب الإجتماعي فقط من الهوية الواقعية، فيكمل الجوانب النّفسية والفيْزيقية من الهوية الإفتراضية، مثال ذلك: شخصية ذات بعد إجتماعي معين، أو ذات وظيفة معينه، لكن فيْ داخلها فيْ الواقع المعاش شخصية إنطوائية، غير متفاعلة مع المجتمع، يحاول أن يظهر العكس فيْ ظهور فيْ العالم الإفتراضي، وكأنه شخصية إنبساطية متفاعلة مع الآخرين، وخصوصاً الذّين لا يعرفونه سواء أكانوا من بلدهِ أو من بلادٍ أخرى من المتواجدين فيْ العالم الإفتراضي.
4. الهويتان وظهورهما المتفاوت فيْ العالم الإفتراضي: وهذا النّوع من الظّهور يدل على إزدواجية الشّخصية، وحسب المواقف التّي تظهر فيها، مرة تظهر الهوية الواقعية وبمقتضى نوع المشاركات وخصوصاً إذا كانت المشاركات تمجيد لهذهِ الشّخصية، مما يغلبها الطّابع الشّخصي، ويظهر بهويتهِ الحقيقية أمام المتواجدين فيْ الموقع؛ كون هذا الظّهور ارتبط بجانبٍ نفسي إيجابي، جعلت المُستَخدِم يبرز هويته الحقيقية فيْ هذا المجال، أما فيْ الجانب النّفسي السّلبي، فيْحاول المُستَخدِم ان يظهر هويته الإفتراضية من أجل الهروب من الواقع الإفتراضي، الذّي تعرضت فيْه الهوية الحقيقية إلى نوعٍ من الكشف عن حقائق المُستَخدِم أن تظهر للعلن.
5. الهوية فيْ بعدها الرّمزي فيْ العالم الإفتراضي: وهنا فيْ مثل هكذا ظهور، يريد المُستَخدِم ان تبقى هويته الحقيقية فيْ بعدها الرّمزي فيْ الواقع الإفتراضي، دون أن يقدم الشّكل الواقعي لهذهِ الهوية مثال ذلك: الرّؤساء ورؤساء الحكومات وقادة الجيش وغيرها، من الهويات التّي تظهر بشكلها الرّمزي وليس الواقعي.
6. الهوية فيْ بعدها الإشاري فيْ العالم الإفتراضي: وهذا النّوع من الظّهور يريد المُستَخدِم من خلالها أن تظهر ببعدها الإشاري، الذّي يشير فيْه إلى حالة ما دون أن تظهر كل جوانب الهوية، سواء أكانت واقعية أو افتراضية، ومثال ذلك: نجد أن بعض من يستخدم صورةً للإشارة إلى حالة مرضية، أو الإشارة إلى إنتماء ديني أو طائفيْ أو مذهبي أو قومي وغيرها.
7. الهوية فيْ بعدها الايقوني فيْ العالم الإفتراضي: وهذا النّوع من الظّهور يرتبط عند المُستَخدِم بالواقع تماماً، وكأنما يريد أن يظهر كما هو فيْ عامله دون أن يكون هنالك جانب رمزي أو إشاري للمستخدم.
8. هويات أخرى مرتبطة بحالات معينة فيْ العالم الإفتراضي: وهي كالآتي:
أ‌- هويات ذات بعد نفسي فيْ العالم الإفتراضي: أي يطغى عليها الجانب النّفسي أكثر من الجوانب الأخرى.
ب‌- هويات ذات بعد إجتماعي فيْ العالم الإفتراضي: تظهر الصّورة الإجتماعية أكثر من الجوانب الأخرى.
ت‌- هويات ذات بعد عاطفي فيْ العالم الإفتراضي: كشخصية العاشق، وظهورها فيْ العالم الإفتراضي.
ث‌- هويات ترتبط بطبيعة الجنس فيْ العالم الإفتراضي: مثلاً أغلب النّساء لا تظهر هويتها الحقيقية، وخصوصاً فيْ البلدان ذات الطّابع الإجتماعي الصّارم.
ج‌- هويات تدل على المهنة، أو الوظيفة فيْ العالم الإفتراضي.
ح‌- هويات تدل على الجانب الاقتصادي فيْ العالم الإفتراضي: مثلاً هوية تدل على شركةٍ، أو متجر، أو بضاعة وغيرها.
وهذهِ الهويات المرتبطة بالجوانب النّفسية والإجتماعية، أو العاطفيْة والجوانب الاعلانية، هي فيْ أغلبها هويات افتراضية، لا تدل على هويات حقيقية لأشخاصٍ معينين وهوياتهم الحقيقية، بل هي هويات الغاية منها تقدم شيء آخر غير الواقع الحقيقي للمستخدم، مثلاً: مالك الشّركة عندما يريد أن يروج لشركته، فلا يظهر شخصيته الواقعية؛ بل يظهر المنتج وكيفيْة الترويج عنه، وهو غايته وكذلك عند الشّخص الذّي يريد أن يظهر الحالة العاطفية، كأن يظهر شخصية العاشق، الذّي يريد أن يجذب الآخرين حوله، وفيْ أغلب الأحيان يأتي بصورةٍ جميلة لشخصية رجالية إذا كان ذكر أو شخصية نسائية إذا كانت أنثى، وكلا هاتين الصّورتين تكونان لشخصياتٍ معروفة، لفنانين أو عارضات أزياء أو شخصيات عامة، تمتلك مظهراً معروفاً، مثل: الرياضيين وغيرهم.
إن لظهور هذهِ الهويات فيْ العالم الإفتراضي إيجابيات وسلبيات، من الممكن أن نجمل أهم هذهِ الإيجابيات والسلبيات بالآتي:
اولاً: الإيجابيات
1. شعور المُستَخدِم بالتواجد الفعلي فيْ العالم الإفتراضي، ومسؤوليته عنه.
2. التّفاعل المتمثل بقدرةِ المُستَخدِم على التّأثير فيْ العالم الإفتراضي، وإمكانية التّعامل معه.
3. إمكانية خلق أي بيئة فيْ النّظام مهما كانت خيالية، أو صعبة التّحقيق فيْ الواقع.
4. تجنب الأخطار المتوقع حدوثها فيْ العالم الحقيقي؛ وذلك من خلال تجربتها فيْ العالم الإفتراضي.
5. عملية المحاكاة عن طريق استعمال النّظام فيْ العالم الإفتراضي، بديلاً عن العالم الواقعي / الحقيقي فيْ التّدريب على مواجهة المشكلات.
ثانياً: السّلبيات
1. إن الانغماس فيْ الواقع الإفتراضي، يجعل من الشّخص المُستَخدِم عرضةّ إلى الوقوع فيْ الإزدواجية التّي تؤثر على ظهورهِ فيْ العالم الحقيقي.
2. ضياع وقت ثمين بسبب سوء استعمال التّواجد فيْ العالم الإفتراضي، وإنشغاله عن أعمال مهمة فيْ العالم الحقيقي.
3. ضياع الهوية الحقيقية لصالح الهوية الإفتراضية، بسبب أوقات التّواجد المستمر فيْ العالم الإفتراضي.
4. قد يتعرض الشّخص المُستَخدِم لأعراضٍ مرضية، ترتبط فيها بالجوانب النّفسية أو الفيْزيقية، مثل: ضعف البصر وغيرها.

الهوامش
1. ينظر، لؤي مضر واصف الشريف: الواقع الإفتراضي وإمكانية تطبيقه فيْ البيئة العمرانية الفلسطينية، نابلس: جامعة النجاح الوطنية، أطروحة دكتوراه، 2012، ص 19 – 20.

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *