مسرحية (الجزيرة الخرساء) وهي من تأليف وأخراج ( ابو القاسم الزهيري ) وتمثيل ( علي العذاري / فلاح حسن / نور آل عطية / أمير حيدر ) وتقديم رابطة عيون الفن الثقافية ، هذه المسرحية التي أفتتح بها عروض مهرجان المسرح الشبابي والتي أقامته الرابطة ذاتها بدعم من نقابة الفنانين في العراق وكلية الفنون الجميلة جامعة بابل ، وقدمت العروض على خشبة قسم التربية الفنية في كلية التربية المختلطة جامعة الكوفة وباشتراك أكثر من (12) عرضاً مسرحياً من فرق مسرحية من عدد من المحافظات العراقية .
تعد هذه المسرحية تمثيل لمجتمع تعود السكوت في زمن التجاوز على الحقوق والأرض والانسان وكرامته ، فتحول سكان الوطن الى صامتين ساكتين عن أهدار الكرامة وهذا ما حمله النص في خطابه الموجه من خلال العرض المسرحي الى الجمهور ، ليذكر باللحظة المعاصرة التي يمر بها الانسان في هذه الأرض .
أشتغل الفضاء المشهدي في العرض ومفرداته الديكورية التشكيل اللعبة المسرحية من انطلاقة العرض في مسرحية الجزيرة الخرساء بصوت ضربات الطبول والألوان الحمراء والزرقاء المتداخلة والتي غطت فضاء المسرح وصولاً الى أشتغال ورقات الفحص الطبي التي تحولت باستخدامات متعددة في ايدي الشخصيات الأربعة الجالسة في حركة افقية ممتدة من يمين المسرح الى يساره في جلوس على اربعة من الصناديق التي تتحول في اللعبة المسرحية الى استخدامات عدة منها مقاعد جلوس واخرى منصات وقوف للخطابات واخرى تدل على الطبول وغيرها من الاستخدامات مع خلفية زخرفية تبين مستطيلات متداخلة من المستطيل الأكبر الذي يحتوي بداخله مجموعة من المستطيلات المتداخلة لتمثل بعد بؤري في هذه الخلفية والتي تعطي مع الأضاءة بعداً جمالياً أو بعداً تأويلاً ذات دلالات معينة كأنها توابيت ،أو اطارات صور للأحداث ، أو فقط جانب جمالي للعرض لا أكثر قد يؤولها المتلقي في أثناء التقاء حركة ما في العرض ، لأن الشخصيات لا تؤدي أي فعل مباشر مع هذه الخلفية ، ولعبها أكثر مع الصناديق الصغيرة الأربعة فقط ، هذا اهم ما حفل به فضاء العرض من ديكور يشكل مشهدية العرض المسرحية .
وبالعودة الى صوت الطبول التي ترافقها أصوات ضرب الاقدام على الارض من قبل الممثلين مع تصاعد الايقاع حتى يصل المشهد الى الذروة الصوتية يقطعها لحظة صمت يدخل بعدها صوت المذياع الذي يشغله الممثل في الطرف الايسر من المجموعة وبصوت مطرب عراقي قديم وبكلمات تدلل على الحزن من خلال اغنية ( يكليبي سل وذوب سل وتفطر) دلالة على الحزن في داخل المجتمع (الجزيرة الخرساء)، وبعدها تداخل الممثلة قاطعة لهذه الاغنية ذات الطابع التراثي والايقاع البطيء ، بإيقاع غربي سريع مع رقصة تحمل معها الراديو الذي تلقيه على الارض ليتكسر وتنهي أغنية النوح والبكاء ، وتعطي انطباع بأن هذا المذياع يعني الخضوع للحزن الذي يسيطر على اهل هذه الجزيرة الخرساء ، فهل هذا الكسر هو دلالة للخلاص من الماضي ؟ أم من الحزن والبكاء ؟ أم من كل ما هو معرقل لحركة التطور والتجديد ؟ وهذا الكسر هو اشارة الاحتجاج الأولى التي تظهر من المجموعة ضد ما يواجهون من صمت وخضوع وخنوع في هذه الجزيرة التي يتحول المشهد في العرض الى الدخول اليها بعد ان يتشكل العرض ويتحول المشهد الى مشهد الحافلة الداخلة الى هذا الصمت ، وبكلمة (طبينه) التي يكررها كل ممثل بطبقة صوتية تدلل على الدهشة من القادم .
اشتغل المخرج على رباعية الجسد وتوظيف هذه الاجساد الاربعة في بناء تشكيلات الهدف منها هو اظهار الاحتجاج المتكرر والرفض ضد أوضاع السكوت على ما يتعرض له اهل الجزيرة ومن ضمنهم الشخصيات الاربعة ، إذ يبتدأ المخرج تشكيلاته بخطوط افقيه للأجساد كسد منيع بين لحظتين الاولى الخضوع والثانية المقاومة مروراً بلحظات الاقتحام من خلال ضربات الاقدام وصولا الى توزيع الاجساد في فضاء العرض مع حركات تدلل على التعذيب بسبب المقاومة التي تفرضها الشخصيات ضد سلطة الجزيرة وصولا الى وضع الصناديق على الرؤوس في طريقة اعتقال وغير ذلك وصولاً الى التشكيل الجسدي المتدرج من الاسفل الى الاعلى وتنوع الاهداف حسب نوع الحوارات بين المبتهل الى السماء والمتهكم من أوضاع الخضوع دون أي موقف محرك للأحداث في الجزيرة .
إنَّ العرض أظهر تنوع الشخصيات المقدمة من الممثلين فكل ممثل جسد أكثر من شخصية وقد تنوعت الشخصيات بناءً لتغير الأهداف والمواقف ، ومن هذا الشخصيات التي بلغ عددها أكثر من عشرة شخصيات مؤداة ، منها شخصية الثائر وشخصية المتهكم وشخصية المعذب وشخصية المحكوم عليه بالإعدام وشخصية الخاضع وشخصية المؤمن المبتهل ، وشخصية المناضل المعترض وشخصية الصامت الخائف وغيرها وكل هذه الشخصيات صاغت حبكة العرض المسرحي .
إنَّ دلالة العرض المسرحي ومحاكاته التي أظهرت الاحتجاج في بعض أوقات العرض بصورة مباشرة وأخرى غير مباشرة ، فالأولى كانت مباشرة في عرض أحداث تشرين في العراق من خلال ذكر بعض الدلالات التي تقدم صورة هذه الأحداث والمطالبة بوطن من خلال خروج التظاهرات في هذا الوقت واستشهاد بعض من ابناء هذا الوطن على ايدي حراس النظام ،أو من ينتمي الى السلطة ، وفي الصورة الثانية غير المباشرة كان نقد ظاهرة السكوت من قبل ابناء هذه الجزيرة على الظلم الذي تعرضوا له دون أن يحركوا ساكن ،أو يجابهوا الظلم . لذلك ظهر الاحتجاج في هذا العرض في اكثر من مستوى:
1. الاحتجاج ضد السلطة على الجزيرة الخرساء وما أوصلت اليه الحياة في هذه الجزيرة .
2. الاحتجاج ضد ابناء الجزيرة وصمتهم على كل انواع الظلم وما يتعرضون له في هذه الجزيرة .
3. الاحتجاج على طرق الموت وفقدان الاحبة الذي ما زال مستمر في هذه الجزيرة .
4. الاحتجاج على ضياع الحقوق والتي في أولها الوطن ومن ثم الحقوق الأخرى التي فقدوها في هذه الجزيرة .
5. الاحتجاج على نسيان من ضحى لأجل الارض وقد خرج من أجل حقوق أهل الجزيرة الخرساء .
العرض المسرحي (الجزيرة الخرساء ) هو لحظة احتجاج ضد السكوت واثارة التساؤلات عن الوضع القائم في هذه الجزيرة والذي استمر النصف ساعة حفلت أيضاً ببعض الهفوات ومنها وقوع العرض في التكرار في بعض الاحداث ، والاخطاء اللغوية لدى بعض الممثلين ، وكذلك بعض الاخطاء في البناء المشهدي في العرض اي أن لحظات الهدم والبناء في بعض المشاهد كانت غير منضبطة وخاصة في الموسيقى التي تقطع في بعض الاحيان بشكل مفاجئ ، أو في حركات الممثلين يكون هناك بعض الارباك في بناء المشهد الجديد . لكن عموماً كان عمل الشباب في العرض جيد قياساً مع الإمكانيات المتوفرة ، وكون بعضهم لم يرتقي خشبة المسرح في السابق ، وكذلك ان بعض التمارين الخاصة بالعرض لم تكن كافية من أجل انضاج المسرحية بشكل متكامل .