إنَّ الرؤية المقدمة عن طبيعة تفكيرنا نحن العرب على وفق التصور في كتاب نهاية التاريخ والانسان الأخير للكاتب والمفكر الأمريكي (فرانسيس فوكوياما) ، ترتبط بكون العربي يقع في خانة المتخلفين ، أو الذين لا يمكن أن يلحقوا بالنهايات المفترضة التي رسم حدودها (فوكوياما) ، فهل نحن في تصورات تاريخية سابقة مازلنا نعيش فيها ولم نخرج منها ؟، أم نحن في فكر فوكوياما أمة لا يمكن أن تتقدم في تطورها الفكري والاخلاقي إلى الأمام في ضوء الحدود المنطقية للسياسة الأمريكية الجديدة ؟ أم نحن في سبات طويل ولابد من يقظة وصدمة عظيمة حتى نرجع الى الصواب العالمية وخصوصاً الأمريكي في القرن الحالي ؟ ، هل بإمكاننا أن نتواصل معرفيا مع العالم الجديد ومحدداته التي في اغلبها قد لا تتفق مع التصورات الفكرية للعقل العربي في عالمنا اليوم ؟.
إنَّ فوكوياما يرى بأن هذه العلاقة يجب أن تبني على معادلة (السيد والعبد) أذ يقدم تصوراً لهذه العلاقة بين الطرفين ، في أن ” السيد هو الى حد ما أكثر انسانية من العبد لأنه تطوع إراديا لتجاوز طبيعته البيولوجية نحو غائية غير بيولوجية ، هي أن : يكون معترفا به ، فلدى مخاطرته بحياته يبرهن أنه حر .أما العبد فهو على العكس ، بحسب رأي (هوبس) يتخلى عن هذه الانسانية خوفاً من الموت العنيف. ولهذا السبب يبقى (حيواناً) ضحية الحاجة والخوف ، غير قادر على تجاوز تحديده البيولوجي أو الطبيعي . لكن فقدان حرية العبد ، أي إنسانيته الناقصة ، تضع السيد أمام إحراج : فهذا الأخير يرغب بأن يعترف به من قبل كائن آخر يملك مثله قيمة وكرامة خاصتين به. فهو بدلاً من ذلك يُعترف به من قبل العبد الذي بقيت إنسانيته غير مكتملة لأنه تخلى عنها لخوفه الطبيعي من الموت ، فقيمة السيد هي إذاً معترف بها من قبل شخص ليس إنساناً بالكامل”(1). هذا المنطق الجديد الذي يشير اليه فوكوياما في كتابه يعطينا عدد من الأسباب التي من المفترض أن نجد مكاننا من خلاله في الفكر الفوكويامي ومنها :-
1. السيد هو الأنسان الأخير وما عداه لا يصل الى هذه الصيغة ابداً ، وبالتالي نحن لا نصل الى هذه المكانة مهما قدمنا من طرائق جديدة ووسائل معرفية نظرية وعملية من أجل التأقلم مع هذا التصور الجديد نبقى في مرتبة العبيد ، وهذه القاعدة الأولى في الفكر المحافظ الجديد الذي يمثله فوكوياما.
2. ما يقوم به السيد تجاه الآخرين هو تطوع إرادي يتجاوز فيه طبيعته البيولوجية نحو غائية بيولوجية قائمة على مخاطرته بحياته ليبرهن أنه حر . فحرية السيد هي نعمة على العبد فهذه المخاطرة قائمة على التضحية من أجل بقائنا أحياء ، فبفضل السيد نحن نبقى أحياء وبفضله نحن نعيش وبفضله ننعم بشم الهواء ، فهو السيد الذي يحمينا والذي يقدم كل قوته العسكرية وغير العسكرية حتى نبقى أحياء من عدو مفترض لا نعلم من يكون وفي أي لحظة يخرج علينا ، المهم أن نبقى في سياق الامتنان للسيد الحامي المضحي من أجل بقائنا ليس في حياة كريمة ، فالكرامة والعزة له ، ونحن لنا البقاء على سطح هذا الكوكب الذي فيه السيد هو الحاكم وهو القوي وهو المسيطر على كل شيء ومن ضمن هذه الاشياء نحن في المنطقة العربية .
3. نحن على وفق هذه المعادلة يجب أن نتخلى عن إنسانيتنا ، عن مطالبنا بالحياة الكريمة عن قيامنا بصناعة حياة جديدة لنا ، والسبب من هذا التخلي عن أهم خاصية وجدت على هذا الكوكب هي الانسانية التي تميزنا عن الموجودات الأخرى ، حتى يبقى السيد حاكم ونبقى نحن أحياء بفضل السيد ، فالخوف من الموت الذي هو بيد السيد ايضاً نستمر بالوجود وندين بالفضل له ، وهذا الفضل هو نعمة وهو منه وهو عطاء من انسان حر قائد لهذا العالم وانسانه الأخير والقائم على وصول التاريخ الى نهايته في التطور المعرفي والعلمي والتقني وغير ذلك . فالخوف من الموت هو السر في بقاء السيد ومدى ما وجد عبيد غيرنا يتخلى عنا ويقدمنا للموت كضحايا لحروبه ومغامراته ، ويعود لنا ليدجننا مرة أخرى إذا ما فقد عبيده في مناطق العالم التي قد تحرج عن سيطرته . فلابد من البقاء احياء والسبيل الى ذلك هو الخضوع للسيد وافكاره العظيمة في نهاية التاريخ وانسانه الأمثل .
4. التخلي عن الانسانية من أجل الحياة يحولنا على وفق تصوراته الى الاقتراب من الحيوانية- وحسب وصف العبد كما في الاقتباس المأخوذ من كتاب نهاية التاريخ- هذه الحيوانية التي هي صفة العبد ، أي أن البقاء في هذه الخانة الحيوانية هي نتيجة للخوف الذي حولنا ضحية الحاجة للسيد ، غير قادرين على تجاوز تحديدنا البيولوجي أو الطبيعي في تصور (هوبس) الذي يستند اليه فوكوياما في تصور من هم خارج تاريخه وانسانه المفضل .
5. إنَّ العبيد هم من تكون انسانيتهم ناقصة والنقص هذا يقربهم من الحيوانية والسبب هو فقدان حرية العبد ، أي إنسانيته الناقصة ، وهنا يتمكن السيد من السيطرة : فهذا الأخير يرغب بأن يعترف به من قبل كائن آخر يملك مثله قيمة وكرامة خاصتين به. لكن هذا الكائن الذي يمتلك الخواص نفسها غير موجود فهو بدلاً من ذلك يُعترف به من قبل العبد الذي بقيت إنسانيته غير مكتملة لأنه تخلى عنها لخوفه الطبيعي من الموت ، فقيمة السيد هي إذاً معترف بها من قبل شخص ليس إنساناً بالكامل ، وبالتالي سوف تستمر هذه المعادلة مادام أن الطرف الأقوى هو مستمر بسيطرته وقوته وتفوقه ، لا يمكن للعبد أن يجد له سبيل لوجود الحرية ابداً.
6. هذه المعادلة توجد على وفق هذا التصور طرف منتج وطرف مستهلك ، لكن متى ما أراد أن تتغير المعادلة سلبت منه الحياة ، فكل ما يملك العبد هو ملك السيد بما فيها الحياة والوجود والانسانية وغيرها ، لابد من أن يكون في هذه المعادلة السيد هو من يوزع طريقة العيش والحياة والكرامة على وفق ما يريد ، بما أن العبد هو الذي يقبل بهذه المكانة وراض بها.
إذن ، على هذه التصورات والنظرة الى نهاية التاريخ والانسان الأخير نجد مكاننا نحن في خانة التبعية المطلقة التي افترضها لنا المركز ، فماذا نفعل حتى نتخلص من هذا المأزق ، هل نقاوم السيد الذي يمتلك القوة والسيطرة والتفوق في كل المجالات؟ ، أم نتخلى عن ما يوفره لنا من سلع ومواد وربطنا بنظامه الاتصالي ووسائله المختلفة التي اصبحت لنا بديلاً عن حياتنا البائسة في بلداننا التي صممها لنا بهذا الشكل بحكامها وانظمتها التي هي ادوات تنفيذ معادلة السيد والعبد ؟ هل نتحول الى مشاريع تسويقية ودعائية والى شعارات فضفاضة تدعي التخلص من هذا السيد دون وعي معرفي بأدوات الخلاص والاعتماد على النفس ؟ أم نركن الى الماضي المجيد والذي هو مملوء بالعقدة والافرازات السلبية والتي حولتنا الى فئات وطوائف وتيارات متصارعة على من هو الاحق بذلك التاريخ السعيد عند البعض والمزور عند البعض الاخر ؟.
كل هذه التساؤلات وغيرها خلقت لنا وضع مرتبك ، استفاد منه السيد في استمرار المعادلة وانتج أفكاره على الشكل الذي يريده هو ، وما نحن الا أدوات منفذه لهذا المشروع الكوني .
من أجل تغيير المعادلة فلابد من أعادة قراءة التاريخ والحاضر وبناء المستقبل بطريقة جديدة على وفق واقع معاش تكون فيه كرامة الأنسان وحريته هي الأهم ، ويأخذ فيها المثقف والمفكر وضع أسس لها ، ففي الغرب يجعل الانسان يفكر ويخطط دون عقد ومعرقلات ، فلا بد أن نبين أنساننا العربي الجديد ، وما هو مسار تاريخنا نحو نهاية افضل وموازية لنهايات تاريخهم وانسانهم الاخير. نحن لا نريد أن نكون خارج التاريخ ،أو خارج الجغرافية ، أو السياسة العالمية ، ولا نريد العزلة أو الابتعاد عن المعرفة ولانخراط في النظام العالمي الجديد ، بل نريد أن تكون المعادلة متوازنة في حرية العيش والكرامة والحرية الحقيقية والتبادل المعرفي السليم . البحث في الاصول والثقافات المحلية هي خير وسيلة لبناء مجتمع معرفي حقيقي ، بعد أن نرفع منها كل المتناقضات التي تعرقل تقدمنا وتطورنا من أجل بناء أنموذج للإنسان العربي في مختلف بلدانه ، من أجل المساواة والحرية والكرامة .
الهوامش
1. فوكوياما ، فرانسيس: نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ترجمة : د فؤاد شاهين وأخرون، بيروت : مركز النماء القومي ، 1993.ص189، ص190