إن البناء السيكولوجي في الشخصية المسرحية التي يكوّنها المؤلف المسرحي في نصه تأتي على وفق مرحلتين الأولى مرحلة قبلية ، والثانية مرحلة بعديه مروراً في الصياغات الماهوية في داخل ذهنية المؤلف ذاته ، وهنا يكون البناء النصي شريكاً بين ثلاث مراحل تتأرجح بين الوجود المتلقى ، وهو وجود أول متحول في داخل ذهنية المؤلف ،وبعدها يتم التعامل مع هذه الصورة المتلقاة والمتحولة في شكلها الماهوي، الذي ينتج فيما بعد تكويناً أنطولوجياً داخل النص ، كملامح أخرى للشخصية وبنائها السيكولوجي ، وهنا أذّكر بالمراحل التكوين الأنطولوجي في تشكيل المعنى الموجود من قبل الكاتب المسرحي، وهذه المراحل تبدأ من مرحلة التدوين للنص في ضوء الصورة المنتجة من الفعل البنائي للشخصيات في ضوء الأحداث في النص ، وهذه يمكن أن نطلق عليها الوجودات الثلاثة وفي مرحلة انتاج النص المسرحي ، وهي:(الوجود الكتبي) ، الذي يحكي عن مجموعة من النقوش الخطية المجعولة والموضوعة من قبل الواضع ،وهو المؤلف ،وفائدتها حكاية عن الألفاظ بدلاً من النطق بها ، فالكتابة وجود جعلي أعتباري حاك عن الوجود اللفظي للأشياء. و(الوجود اللفظي)، أي أصوات مشتملة على تقاطيع الحروف موضوعة من قبل الواضع ،وفائدتها الحكاية عن المفاهيم الذهنية ، وهي حكاية قائمة على أساس العلاقة الوضعية بين اللفظ وبين المفهوم في الذهن. و(الوجود الذهني) وهو عبارة عن مجموع المفاهيم الذهنية الحاكية عن مصاديقها في عالم نفس الأمر ،فكل مفهوم حاك عن مصداقه النفس الأمري ،وإنَّ كان مفهوماً عدمياً ، إذ إن مفهوم العدم يحكي مصداقه في نفس الأمر، وإن لم يكن له مصداق في الواقع الخارجي ، أي الشخصيات المسرحية التي أوجدها الكاتب وجعلها تشتغل في النص ،هذه الاشتغالات تكون وجودية في ذهنية المؤلف ، الذي يضفي على عالمها السيكولوجي وبنائها الأنطولوجي الذي يتحقق في تأثيرها بالمتلقي ، وهذا التحقق كان مؤخوذاً من تفكير الكاتب ذاته ، الذي يتكون من امتزاجه مع البناء النفسي للشخصيات ، وهي تشبه أيضاً بما هو مضاف من البعد النفسي والرغبات النفسية الداخلية للكاتب على الشخصية كوجود نصي كتبي أولاً ، ومن ثم وجود ذهني له الأثر على المتلقي .
إن التكوين الأنطولوجي للشخصية هو وجود مأخوذ من الصورة الذهنية التي شكلها الكاتب ،وبنى علاقاتها المختلفة مع شخصيات أخرى في وجوده الذهني ، وهذا الوجود الذهني الانتزاعي الذي يتحول في الشخصيات المسرحية في داخل النص ، هي محاكيه للوجودات المشاهد من قبل المؤلف والممتزجة في داخل ماهياتها الذهنية في الوعي والمنتجة في الظاهرة الكتبية كوجود نصي، أي أن للنص وجود اعتباري يحكي عن وجود لفظي للأشياء ،ومنها الشخصيات والأحداث فيه ، لذلك ينتقل بعدها الى وجود آخر ، وهو اللفظي الذي يحاكي ويقدم المفاهيم الذهنية المدونة في النص للقارئ ، من خلال علاقة ذهنية تتموضع في العلاقة الرابطة بين اللفظ والمفاهيم الذهنية للوجود الذهنية ،وما تتشكل منه من ماهيات للأشخاص في النص، وصولاً الى تكوين وجود ذهني يحاكي أيضاً مصاديق تشكيل الأشياء ، وهذا في مجال التكوين الأنطولوجي، هي مصاديق تحاكي البناءات الوجودية المبتكرة في العقل سواء أكانت في عقل المؤلف الذي شكل الشخصية المسرحية ، أم في ذهنية المتلقي القارئ الذي انتجها بشكل وجودي جديد ارتبط بفعل القراءة للنص المسرحي.
إن التكوين الأنطولوجي يمكن دراسته في مجال المسرح لكونه يتشكل في الشخصية الدرامية من البعد السيكولوجي للشخصية المنتقاة في أغلب الآحيان من وجودات خارجية فعلية انتقلت الى ذهن المؤلف ،والذي يفيض بتأثيراته على التكوين الماهوي (للمتلقي / القارئ) ، وهنا يتطلب منا في هذا المجال أن نبحث في اثبات العلاقة بين التكوين الأنطولوجي ،الذي يشكل الوجود الماهوي في البناء النصي للشخصيات المكتوبة ،وبين ماهيات البناء الذهني ،أو الماهويات المتشكلة من هذه الصور المفترضة للشخصيات في النص المسرحي، وما علاقتها بالبناء السيكولوجي ، لذا سنركز على المفاهيم الأنطولوجيا واشتغالاتها في هذا المجال، وعلاقة هذه المفاهيم بالنظرية النفسية:( نظرية مركب النقص لعالم النفس الفريد أدلر) ، والذي يركز فيها (أدلر) على ما يتمظهر من هذا البناء النفسي في الشخصية ، والتي يمكن لهذه الرؤى أن تكون قابلة للأشغال مع التكوين الأنطولوجي للشخصيات المسرحية .
إنَّ دراسة الشخصية المسرحية على وفق التكوين الأنطولوجي، لا يتم دراستها في انتمائها الدرامي لمدرسة محددة كالواقعية ،أو التعبيرية وغيرها من المدارس ، أو الأساليب الدرامية المعروفة ، بل على وفق المفاهيم الأنطولوجية الخاصة بوصفها شخصية لها وجود ذهني انتجها المؤلف في نص مسرحي(تكوين أنطولوجي) لمحاكاة صور ذهنية في عقل المؤلف على وفق قراءة أنطولوجية للمحاولة للكشف عن اليات بناء الوجود الذهني للشخصية عند المؤلف، وتشكيل معناها الماهوي عند القارئ ،أي بحث التكوين الأنطولوجي بين المفاهيم السيكولوجية للشخصيات الدرامية وماهيات البناء النصية في المنجز المسرحي .
لكل إنسان في الحياة أسلوب خاص كوّنه لنفسه ،ويسعى من خلاله لتحقيق الأهداف التي يصبو إليها ، والأمنيات التي ساورت خياله ،وذلك لرفع قيمته بين الناس كفرد يحيا في وسط أجتماعي يرغب لنيل الدرجات العليا فيه . فالعالم من حولنا في تطور مستمر ،وفي صعود من الأدنى إلى الأعلى بادي للعيان في صورة أبهى تتلاءم وتطلعات إفراده الذين يعيشون فيه وينتمون إليه ، وهم جزء مهم من مكوناته ،ويصاحب هذا الإرتقاء الشامل توجهات مشابهه للفرد فهو ينزع للإرتقاء والانتقال من حالة الضعف إلى حالة القوة، ومن حالة النقص إلى حالة الكمال ، ومن حالة الخنوع لحالة السيطرة ، وذلك يتم من خلال التعويض عن جوانب الضعف والنقص في شخصية الفرد وتقويتها ، للوصول إلى مرحلة التفوق والنجاح والإرتقاء في الحياة ، ومن هذه النظرة الفلسفية للعالم انطلق (الفريد أدلر) ليؤسس من خلالها علم النفس الفردي .
إنَّ السبب المهم الذي دفع( أدلر) للبحث في مجال الشخصية وفي دوافـــعها وسلوكها ورغبـــاتها ،هو نقصه العضوي ، إذ كان (أدلر) يعاني من ضعف في بنيته لذلك أنعكس على حالــته النفســــية ، مما دفعة للتعويض عن نقصه وتحويله إلى تفوق ونجاح رافقه إلى آخر أيامه، أنه عكس حالته النفسية الداخلية في تكوين أنطولوجي أستطاع من خلاله أن يغير صورته السابقة الى صورة جديدة .
ويرى (أدلر) أن لكل فرد شخصية امتازت بمقومات مــــنفردة عن باقي الأفراد ، أي لكل شـــــخص صـــياغة فريدة من الدوافع والســمات والاهتمامات والــقيم ،واعــتبر أن كل فعل يصــدر عن الشــــخص يحمل طــابع أسلوبه لمتميز في الحياة مفترضاً بذلك أن سلوك الفرد تحركه الحوافز الاجتماعـية المحــيطة بـــه والتي تؤثر في أسلوبه وطريقة حياته .
ويرى بعض الدارسين أن نظرية (مركب النقص ) قامت على المبادي الآتية، وهي:
- إرادة القوة عند (أدلر) ،هي التي تحدد السلوك في شخصية الفرد، وذلك في السنوات الأولى من مرحلة الطفولة ،ويسميها (خطة الحياة) ، مما تنعكس هذا الرؤية في تشكيل التكوين الأنطولوجي للفرد في مجتمعه ، والتي تساعده في بناء ماهويات لاحقة من الوجودات الذهنية لمستقاة من التأثر بخطة الحياة، والمشكلة للسلوكيات اللاحقة في الحياة ، وتقابل هذه النقطة الكيفيات النفسية المتمثلة في جزء منها بالإرادة عند الفرد في ضور النظرة الأنطولوجية.
- الذات الخلاقة عند الفرد تمثل نظاماً شخصياً يعمل على توجيه النشاط والسلوك عنده ، وتســـاعد الفرد في تحقيق أسلوب متفرد خاص به ، وهذه الذات الخلاقة تأخذ مادتها المعرفية من الماهيات الذهنية للفرد ، تقابلها الكيفيات الاستعدادية في التكوين الأنطولوجي، واشتغالاتها في الشخصية الإنسانية.
- من اجل أن يتفوق الفرد في حياته يجب أن يتكيف في ميادين ثلاثة ، هي:
- (المجتمع / المكان)، والذي يرتبط بالأعراض ولاسيما (الأين) ،وهي الهيأة الحاصلة من نسبة الشيئية الى (المكان / المجتمع).
- (العمل/ الفعل) ،والذي يرتبط بالأعراض بالهيأة الحاصلة من تأثير المؤثر ما دام يؤثر.
- (الحب/ والأنفعال) ،والذي يرتبط بالأعراض بالهيأة الحاصلة من تأثير المتأثر ما دام يتأثر.
وان أي إخفاق في هذه الميادين سوف يولد الشعور بالنقص عند الفرد .
- (التعويض/ الإضافة) والتعويض :هو الصفة البارزة في نظــرية (أدلر) ويسعى الفرد مـــن خلاله إلى التـــفوق في الحياة للتخلص من الشعور بالنقص ،الذي يتكون في السنوات الأولى من عمر الفرد ، والتعـــــويض أنواع ، تعويض ايجابي ،وتعويض مبالغ فيه ،وتعويض فاشل ، ويقابل التعويض ،الإضافة التي ترتبط بالأعراض بالهيأة الحاصلة من تكرار النسبة بين شيئين ، ومن الممكن ان تكون هذه الإضافة حاصلة في الفرد ذاته بين الشخصية السابقة ،وما يضاف اليها من تعويض للشخصية.
- يولد (التعويض الفاشل / غياب الإضافة )من وجهه نظر( أدلر) مرض العصاب الذي يبتعد فيه الفرد عن الـــهدف الفعلي في الحياة ،ويركز على أهداف وهمية بعيدة عن مطالب الواقع الحقيقية.
- إن الحوافز الأجتماعية وتمظهراتها الانطولوجية المحيطة بالفرد ،هي التي تــــحرك السلوك عنــــده مؤثرة فـــي أسلوبه وطريقته في الحياة ، وأن العقدة عند (أدلر) هي نوعان عقدة نقص عضوية ،أي فقدان أحد أعضاء الجسم ، وأخرى نفــــسية أو روحية تقوم على وعي الفرد الاجتماعي .