
الدكتور محمد كريم الساعدي:
العراق/اوركيد:
في ظل التحولات الثقافية والفنية التي يشهدها العالم العربي، يبرز تأثير الاستعمار وما بعده كعامل محوري في تشكيل الهوية والخطاب الفني. واليوم، يسعدنا في شبكة أوركيد للإنتاج الإعلامي والإعلاني أن نستضيف الأكاديمي والناقد البارز الأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي، المتخصص في دراسات ما بعد الكولونيالية وجماليات الفنون، والذي أثرى الساحة النقدية بأبحاثه ومؤلفاته القيمة.
في هذا اللقاء، نسلط الضوء على رؤيته حول أثر الاستعمار في الثقافة العربية، ودور الفنون في مقاومة التبعية وتعزيز الهوية، إضافةً إلى استعراض أبرز الجماليات الفنية التي تأثرت بالنقد ما بعد الكولونيالي. كما نناقش معه قدرة هذا الاتجاه النقدي على تقديم حلول للفنانين العرب في مواجهة تحديات العولمة.

حوارنا اليوم هو فرصة لاستكشاف أفكار معمقة حول الثقافة والفن والهوية، في زمن تتداخل فيه العوامل التاريخية مع متغيرات الحاضر والمستقبل.
اوركيد:كيف تعرّف جمهور أوركيد بنفسك وتقدّم لهم لمحة عن مسيرتك الأكاديمية والمهنية؟
محمد كريم خلف الساعدي
مكان وتاريخ الولادة: العراق – مدينة العمارة، 1 يناير 1974.
المؤهلات الأكاديمية:
ماجستير في الفنون المسرحية من كلية الفنون الجميلة، جامعة البصرة (2004).
دكتوراه في فلسفة الإخراج المسرحي، عن أطروحته “خطابات ما بعد الكولونيالية في المسرح العراقي”، من كلية الفنون الجميلة، جامعة البصرة (2014).
الألقاب الأكاديمية:
حصل على لقب مدرس عام 2008.
حصل على لقب أستاذ مساعد عام 2011.
حصل على لقب أستاذ عام 2016.
الخبرات الأكاديمية والتدريسية:
أستاذ فلسفة علم الجمال في قسم التربية الفنية، كلية التربية الأساسية، جامعة ميسان.
شغل سابقًا منصب رئيس قسم التربية الفنية في الجامعة نفسها.
يدرّس مجموعة من المواد العلمية، منها:
فلسفة علم الجمال
التذوق الفني
الإخراج المسرحي
نظريات الإبداع
يشرف على تدريس طلبة الدكتوراه في جامعة البصرة، كلية الفنون الجميلة، في مواد:
جماليات الأداء
الحلقات النقاشية (السيمنار) في الإخراج والتمثيل
إنجازات أخرى:
نُشرت سيرته الذاتية في موسوعة ويكيبيديا ضمن قائمة الأكاديميين العراقيين.
اوركيد: في ضوء دراساتك حول ما بعد الكولونيالية، كيف ترى تأثير الاستعمار في تشكيل الخطاب الفني والثقافي العربي اليوم؟
الدكتور محمد كريم الساعدي:إنَّ من أهم ما حققه الاستعمار الأوروبي تحديداً بصورة خاصة والاستعمار الغربي بصورة عامة من خلال حملاته الكولونيالية من تأثير مباشر على مستوى السياسة والاقتصاد والتأثير غير المباشر على مستوى الثقافة والهوية الأصلية للشعوب التي وقعت تحت الاستعمار والتي تعرضت لسياسة ممنهجة في الفعل الثقافي ، أقول بأن الاستعمار الثقافي وحملاته الكولونيالية قد أثر بشكل كبير على هذه الشعوب ، ويرى البعض من الدارسين للتأثير الثقافي الكولونيالي بأن ثلاثة أرباع الشعوب قد تغيرت ثقافياً بفعل الكولونيالية الثقافية وما حملته معها من محو للهوية الأصلانية من الجهة وتبديل الكثير من السلوكيات التي لا تتناسب في تطبيقاته مع المجالات الفكرية والثقافية وحتى الأخلاقية لهذه الشعوب .

أوركيد:هي أبرز الجماليات الفنية التي تأثرت بالنقد ما بعد الكولونيالي، وكيف يمكن توظيفها في فهم وتحليل الفنون الحديثة؟
الدكتور محمد كريم الساعدي:الفضاء ما بعد الكولونيالي هو فضاء واسع يضم كل المجالات الإبداعية التي يقدم من خلالها المبدعين أعمالهم التي تبحث في تفكيك وكشف الأثر الكولونيالي على الثقافات المحلية ، ومن بينها المجالات البصرية والسمعية والسمعبصرية ، وكذلك على مستوى الأدب والكتابة الإبداعية ، وقد كُتب في هذا المجال عدد من الكتب النقدية المهمة ومنها كتاب الرد بالكتابة وكتاب الدراما ما بعد الكولونيالية وكتاب الكولونيالية وما بعدها ، وكتاب استيهامات استعمارية وغيرها ، ولي عدد من الكتب في هذا المجال ومنها :
1. كتاب الإشكالية الثقافية لخطاب ما بعد الكولونيالية .
2. وكتاب الرد بالجسد وخطابات أخرى .
3. وكتاب لماذا الرسول ؟ الصورة الذاكرة التشويه .
4. وكتاب التاريخ والهوية الجمالية / الغائية التاريخية في جماليات الفنون .
5. كتاب الهوامش في لعبة ما بعد الحداثة .
في هذه الكتب أتناول مجالات في الفنون والتاريخ والثقافة والفكر ومنها (الفنون المسرحية بوصفها باعث ثقافي للهويات المحلية ) ، و(الجسد بوصفه علامة دالة على الأثر الثقافي للهوية المحلية ) ، و(الشخصية المركزية في الفكر العربي والتشويه الذي قام به الفعل الكولونيالي المستند إلى الرؤية التاريخية والفلسفية الغربية ) ، و(التمركز الغربي في الجماليات الإغريقية من أجل التفوق العرقي والثقافي ) ، وأخيراً( ما أنتجته الحضارة الغربية من تشوهات خلقية وأخلاقية على مستوى التهديم للمركزية الشرقية ومنها العائلة ، وبناء تصورات جديدة للهوامش في المجتمعات العالمية )
اوركيد:باعتبارك باحثًا في الفنون والجماليات، كيف يمكن للفن أن يكون أداة لمقاومة التبعية الثقافية وتعزيز الهوية الوطنية؟
الدكتور محمد كريم الساعدي:تعد الفنون ساحة مهمة للكشف والتفكيك للفعل الثقافي الكولونيالي ، ومن خلالها يستطيع المبدع فضح التأثير الثقافي لهذه الافعال ، وما قُدّم في المسرح من نصوص وعروض على المستوى العالمي ومنها على سبيل المثال لا الحصر : مسرحية ( Vincent O . Sullivan) التي تدور أحداثها في (سدني ) في عشرينات القرن التاسع عشر ، والتي تتناول حياة سكان أستراليا الأصليين الذين يتعرضون للاستغلال من قبل المستعمرين والمستوطنين الذي أتو مع الاستعمار ، وفي مسرحية أخرى (ساندي لي تعيش في نوى دات ) التي قُدّم فيها قارة أسيا بوصفها أنثى وقابلة للابتزاز الجنسي وقُدّمت في الفيتنام ، كذلك ما قُدّم في أفريقيا من مسرحيات (زواج انافسو ) ومسرحية (المجتمع) وفيهما صور عن التحرير والمقاومة من المستعمرين ، وما قدّمه الكاتب (سنجور) في مسرحية ( فصل من الكونغو ) وهي صورة عن أحياء الهوية والتراث والطقوس الأفريقية في مواجهة الهوية الكولونيالية الجديدة التي رسمها الاستعمار لهم ، وفي العالم العربي قدّمت مسرحيات كثيرة ومنها (انتصار البرابرة ) الكاتب (محمد الزغاري) ومسرحية (دائرة الانتقام ) لـ(كاتب ياسين )، ومسرحية (الخان ) و(أنا أمك يا شاكر ) ليوسف العاني في العراق وغيرها الكثير .

اوركيد:هل ترى أن الدراسات ما بعد الكولونيالية قادرة على تقديم حلول عملية للفنانين العرب في مواجهة تحديات العولمة؟
الدكتور محمد كريم الساعدي:سؤال مهم : والجواب متى ما ألتزم الفنان العربي بصورة خاصة والمثقف العربي بصورة عامة بالهوية المحلية والتراث العربي والإسلامي على المستوى الفلسفي والفني وما قدمه الكثير من أبناء هذه الأمة في هذا المجال ، سيكون هنالك تميز واضخ للدور الذي يقدمه الفن والفنان العربي ، والعولة وغيرها هي ليست وسائل هيمنة إذا ما استخدمت كأدوات للمعرفة من قبلنا ، وما نلاحظه اليوم على المستوى العالمي في أن الكثير من الشعوب لم تتخلى عن هويتها وفنها وتراثها وتاريخها ، بل هي مستمرة في المواكبة العالمية لكل ما هو جديدة ، ومثال ذلك الصين هي لم تتخلى عن ماضيها وحاضرها وفنونها وآدابها ، بل عملت على توظيف هذه المجالات من أجل التمايز عن الهيمنة الغربية وخاصة الأمريكية منها .
اوركيد:ما هي النصيحة التي تقدمها للباحثين الشباب المهتمين بدراسة الفنون من منظور ما بعد الكولونيالية؟
الدكتور محمد كريم الساعدي:ما بعد الكولونيالية فضاء رحب من أجل الحفاظ على الهوية والثقافة المحلية ، لا يمكن أن نلغي جذورنا الثقافي بحجة الركب الحضاري ، لأننا في هذا الركب سنبقى في الفكر الاستعماري والكولونيالي في درجات دنيا ومن المتخلفين حضارياً (حسب رؤية (هننغتون) في (صدام الحضارات) و(فوكوياما ) في (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) ، ولن يساوينا الغرب بثقافته ، ومن هنا لابد من استثمار هذا الفضاء من أجل تحقيق رؤية قابلة للتطبيق من خلال الفن والثقافة لأجل إنتاج حضارة خاصة بنا ، وهوية تجعل لنا مكانة بين الحضارات العالمية ، ولا نبقى في مجال التبعية والتقليد الأعمى لآخر الغربي .
في ختام هذا اللقاء المتميز مع الأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي، نجد أنفسنا أمام رؤية نقدية عميقة تسلط الضوء على أثر الاستعمار في تشكيل الخطاب الفني والثقافي العربي، ودور الفنون في استعادة الهوية الوطنية ومقاومة التبعية. لقد قدم لنا الدكتور الساعدي تحليلًا غنيًا لمفاهيم ما بعد الكولونيالية، وسبل توظيفها في فهم وتحليل الفنون الحديثة، بالإضافة إلى دور الفنان والمثقف في الحفاظ على الهوية الثقافية في ظل تحديات العولمة.
إن شبكة أوركيد للإنتاج الإعلامي والإعلاني إذ تعرب عن سعادتها بهذا الحوار الفكري القيّم، تؤكد على أهمية تعزيز النقاشات النقدية التي تساهم في إثراء المشهد الفني والثقافي العربي. فالفن ليس مجرد انعكاس للواقع، بل هو أداة للمقاومة والتعبير عن الذات وإعادة تشكيل الهويات بعيدًا عن تأثيرات الهيمنة الثقافية.
نأمل أن يكون هذا الحوار قد أضاء مساحات جديدة للباحثين والفنانين المهتمين بدراسة الفنون من منظور ما بعد الكولونيالية، وفتح آفاقًا للتفكير في كيفية استثمار الفن في بناء هوية ثقافية مستقلة ومتجددة.