
في مشاركة للأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي في جامعة سامراء كلية الآداب بورقة بحثية في ندوة طاقة الإنسان وفاعليته في فكر الامام الحسين عليه السلام.
عنوان الورقة البحثية
(الإنسان وفعل المقاومة لتأصيل الهوية المحلية المستمدة من الفكر الحسيني)
أ.د محمد كريم الساعدي

المقدمة
إنَّ فعل المقاومة في الدراسات الثقافية وفي الأخص في ما بعد الكولونيالية يأتي من فعل الكشف عن كل ما هو مخالف للثقافة الأصلية وما تتعرض له من أفعال تحاول أن تغير في الكثير من الملامح وخاصة في الملامح الثقافية للأبناء البلد تحت حجج كثيرة ومنها ؛ التمدين الذي يعد ضرورة في قابل التخلّف ، أو الحرية في مقابل العبودية ، أو الإيمان بالأهداف التي يسير عليها النظام العالمي مقابل عدم الإيمان بهذه المبادئ والأهداف . وحجج كثيرة غير ذلك تحاول أن تهدّم وتلغي وتشوه ملامح الهوية المحلية للشعوب الأخرى التي لا تنتمي للحضارة الغربية .
ومن هذه المقدمة السريعة في الهوية وفعل المقاومة تأتي عملية المحافظة عليها من خلال التركيز على كل ما له صلة بالثقافة المحلية ومعطياتها المتعددة ، ومن بين هذه المعطيات التي من الممكن أن تحتفظ على الهوية المحلية تبرز مسألة مهمة لها تاريخ عميق وجذور متأصلة في الفعل الثقافي الجمعي العراقي والعربي والإسلامي ، ألا وهي المسألة المرتبطة بالفكر الحسيني والمستمدة تطبيقاً بفعل المقاومة الثقافية والاجتماعية والدينية ، والمتوجة عملياً من خلال واقعة الطف ، أو كربلاء (الحسين ع ) ، كون هذه الواقعة أنتج عدد من أفعال التأصيل والمقاومة ففيها التضحية من أجل العقيدة ، وفيها الممارسة الحقيقية للسلوك القويم ، وفيها المحافظة على الإسلام الصحيح المأخوذ عن النبي (محمد ص )وفيها الكثير من الإشارات الدّالة على هذه المعطيات في فعلي المقاومة والتأصيل . ولكن ما يعنينا في هذه المسألة وما نريد أن نأخذ منها هو فعل المقاومة والتأصيل للهوية المحلية كون هذه الورقة تستمد المقاومة والتأصيل من الفكر الحسيني ؛ وحسب الآتي :
1. إنَّ الفكر الحسيني المستمد من الواقعة المقدسة يدّل على ضرورة البحث في أصل الأشياء الدالة عليها ، وهذه الواقعة أفرزت لنا فعل مقاومة لكل من يريد الخروج على المسار الصحيح الذي يشكل الهوية ، وخاصة الهوية الإسلامية لمجتمعاتنا .
2. وأنَّ هذا الفكر قد أنتج قاعدة من النضال والتضحية من أجل الوصول بالأهداف السامية إلى مقامات عالية ، لا يقف شيء أمامها ، مهما كانت الأسباب والمسببات .
3. وأنَّ هذه التضحية ومن أجل الثبات ومن أجل التأصيل ، ومن أجل أحياء فكرة المقاومة كلها تسهم في تعزيز روح الإنسان في هذا المجال .
لذا سنخوض في هذا الموضوع من خلال ما يأتي :
أولاً : الهوية ومفهوم الهيمنة والمقاومة
تعد الهوية في بعدها المحلي بوصفها ظهور آني من أهم مميزات الحضور في تشكيل الخطاب الخاص بطبيعة الإنسان وبيئته وثقافته ، ولها لأثر في البناء المهيمن في الذهن البشري من حيث تكون الملامح الخاصة والدالة على هذا الإنسان وحسب وجوده، لأنها ، أي الهوية ،بحضورها تعطي مصداق أكبر لما يعرض من خلالها ، والدلالة على أن موضوعها يكون هو البارز في المحافل الخاصة بالإنسان ذاته ، أي في محليته ، أو في ظهوره في المحافل الدولية ، إذ ما يؤصل ظهوره هو الهوية المحلية ومميزاتها عن غيرها ، لذلك فأن القائمين على ظهور وتكامل الشكل العام للهوية يأخذون في نظر الاعتبار الأثر المادي الذي يشكل جزءاً مهماً من المعلومات في الوعي الإنساني ، والذي يبدأ بشكل فردي ليتحول الى جماعي أذا كانت الهوية وموضوعها لا يخص فرداً بعينه ، بل يشترك فيه مجموعة من الناس ، قد يصل الى مستوى شعب أو أمة ما.

إنَّ في علم قراءة الأشياء ودلالاتها وما تعني وما يعنى بها تحولت الهوية ودلالتها العامة ومنها البصرية وغير البصرية من مفهوم بسيط الى مفهوم أعم يدخل فيه التعقيد في قراءتها وتصنيفها ، على وفق ما تشير اليه وما تخفيه من معانٍ عدة لها تداخلاتها الفنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها ، بحسب الإشارة ونوعها ، فالهوية تحولت من معنى بسيط إيقوني في بعض الأحيان ، الى معنى كبير عميق .
يصل الى درجة الرمز كونها قد ترمز إلى أمة بتاريخها وحضارتها ومجدها ، وبما أن هذه الورقة تشتغل على الهوية بوصفها حضور فاعل في محيطها المحلي وفي ظهورها أمام الأخرين من أمم أخرى ، فلا بد من التركيز على حضورها كخطاب له الأثر المهم في تأكيدها في الساحة الدولية التي نعلم جيداً أن الهوية تدخل في صراع مستمر مع الهويات الأخرى وخاصة الهويات التي يشتغل أصحابها على السيطرة والهيمنة ضد الآخر ، وبالأخص ما تعانيه اليوم الهويات المحلية من السيطرة الثقافية الغربية وبالأخص (اللوغوس الغربي) وما يخفيه من أثار معنوية و إشارات تصل الى كشف المخفي في المشروع الغربي وتمركزه حول الذات ، ليتحول فيهما مفهوم صراع الهويات الى مشروع مهم بالنسبة للقائمين على الثقافة الغربية ، تدخل فيه مديات جديدة في البحث في ذاكرة التاريخ والشعوب والحضارات الغربية ذاتها ، وبالمفهوم المغاير عنها في الثقافة الغربية ، من أجل الوصول إلى الإخضاع والهيمنة على الهويات المحلية ومنها هوياتنا المحلية.
ثانياً : الهوية والمحافظة عليها بوصفها دالة على فعل الثبات
إنَّ الخوض بمصطلح الهوية يجعلنا أمام الكثير من التّعريفات، التّي خاضت فيْه واعطته محدداته، والمجالات التّي من الممكن أن تخاض فيْه هذهِ المحددات، وسنركز على عدد منها وليس جميعها؛ بسبب إن عدد من خاضوا فيْ مجال تعريف الهوية هم كثر. إنَّ الهوية كما يعرفها (الفارابي) الذّي يرتكز فيْ هذا التّعريف إلى مفهوم فلسفيْ فيْ ضوءِ فلسفته، التّي انطلقت من مبادئه المستمدة من المنطق والفلسفة الأرسطوطالية، فيْرى أن ” الهوية الشّيء وعينيته وتشخصه وخصوصيته ووجوده المنفرد له كلُ واحد، وقولنا: إنه هو إشارة إلى هويته، وخصوصيته ووجوده المنفرد له، الذّي لا يقع فيْه اشراك (1)وهنا الفارابي يجعل من الهوية، هي من تدل على الشّيء ذاته، فالشّيء له خصوصية، وله وجود وله تشخص وله ظهور عيني وله صورة ذهنية، أو ماهية فيْ داخل وعي النّاظر إليه لذلك فأن مفهوم الهوية عند (الفارابي)، يدل على الشّيء ذاته، دون إضافات أو حذف، أو انتقاص من ذلك الشّيء، استناداً للهوية التّي تحدده وتشخصه وتظهره وتفرده أمام أعين الّناظرين.

والهوية هي ” وحدة الشّخص (أو الجماعة)، وما يجعله هو نفسه، أو هو هو؛ أي ما يجعله مطابقاً لذاته، وما يمنحه استمرارية فيْ الزّمن، فهي ما يخص الشخص، أو الجماعة، وما يميزها أيضاً (…) يميز وليام جيمس (1842 – 1910)، بين ثلاثة مقومات للهوية البعد الفيْزيقي (الجسد)، البعد الفكري (الكوجيطو)، والبعد الاجتماعي (الوضع) “(2). إن هذهِ الأبعاد الثّلاثة، هي من تعطي الهوية محدداتها؛ كونها متطابقة مع ذات الشّيء، وأن التّغييرات التّي تحدث فيْ هذهِ المقومات الثّلاثة، ناتجة عن تغيرات فيْ ذات الشّيء، فيْ واحدةٍ من هذهِ الأبعاد الثّلاثة، أو فيْ جميعها، فيْ كل متكامل يعطي للشيء صورته المتطابقة، مع الشّيء ذاته سواء أكان هذا التّغيير يحدث فيْ الهويةِ لشخصٍ واحد، أم لجماعةٍ مهما ينتج فهماً متطابقاً بين الشّيء والهوية، ” يقوم الفهم عموماً على إرجاع (مطابقة)، معرفة جديدة إلى ما نعرفه من قبل، ومن هنا تُعدّ الهوية شْكلَ كلِ فِهمْ”(3). ولكل هوية مكونات من الممكن أن تعبر عنها فيْ حالة الاشتغال الاجتماعي، والثّقافي والفكري؛ إذ لا بد أن تتميز أي هوية (فردية / جماعية) عن الأخرى بمكوناتٍ معينة، من الممكن أن تبين أنها متغايرة مع الهويات الأخرى؛ وهذهِ المكونات هي عامة؛ ولكن التمييز يكون فيْ الملامح، التّي تبين نوعية هذهِ الهوية عن الهويات الأخرى المتداخلة، والمتفاعلة معها وليست الذّائبة فيْها، ومن أبرز هذهِ المكونات هي: ( 4)
1. العناصر المادية، والفيْزيائية.
2. العناصر التّاريخية، أو الأصول التّاريخية.
3. العناصر الثّقافية والنّفسية.
4. العناصر الاجتماعية.
وكل عنصر من هذهِ العناصر يدخل فيْ تكوين جانب من الهوية (فردية / جماعية)، مثلاً: العناصر المادية والفيْزيائية، تشمل كل الأمور المادية والاقتصادية والعقلية، التّي تنعكس بوساطة الأجسام فيْ إبراز أهم الملامح، والمكونات المادية فيْ الهوية، أما العناصر التّاريخية فهي تشير مثلاً: إلى الأصول التّاريخية، والتّي تنعكس فيْ الشّكل والاشتغال فيْ مجالات معينة، تدل على المرجعيات التّاريخية، مثل الأسلاف والولادة والقرابة والطّقوس والممارسات، التّي ترجع أصولها إلى مُدد تاريخية معينة، وما زالت مستمرة عند الفرد، التّي تظهر هويته وهوية الجماعة، التّي ينتمي إليها، وفيْ مجالات العناصر الثّقافية والنّفسية، وما لها من دورٍ فيْ تشكيل صورة الهوية، ومن هذهِ العناصر والرّموز والأيديولوجيات، ونظام القيم الثّقافية، وأشكال التّعبير الفني وغيرها، التّي تندمج أغلب الأحيان فيْ سلوكيات تدل على النّظام الثّقافي للفرد والجماعة، وأخيراً فأن العناصر الاجتماعية، ودورها فيْ إظهار الهوية بشكلها المتميز عن الآخرين، وما يرتبط بها من عناصر اجتماعية، مثل الاسم والجنس والمهنة والسّلطة، والدّور الاجتماعي والأنشطة والانتماءات وغيرها ( 5).
ثالثاً : المقاومة للهيمنة وفعل التأصيل غاية مهمة للاستمرار الإنساني
يمارس الفكر الذي يشكل الخطاب في صورة الهوية تحمل معطيات الهيمنة في ثناياها صوب المستقبل لبناء منظومة خاصة تنطلق في تعبئة الجمهور نحو هدف معين ، إذ تأتي الهيمنة في إطار ممارسة منهجية لأفعال البناء المعرفي من أجل السيطرة والتوجيه ، لذلك فأن الهيمنة ليست شيء يأتي من الخارج فجأة ، بل هو ممارسة لأفعال الإقناع بأساليب مختلفة ، بطرائق مباشرة أو غير مباشرة ، أو بطرائق ترغيبية وأخرى تخويفية وترهيبية من خطر قادم، مرة بحجة ممارسة الثقافة والتمييز نحو الأفضل الظاهري ، والمغلف بطبقات من التوجيه المخفي الذي يحمل في ثناياه هدف معين ، ومرة أخرى إبعاد الذي يقع عليه فعل ممارسة الهيمنة من الوصول الى الوعي الحقيقي والواقعي بحادثة ، أو معلومة ، أو أمر يغير المفاهيم الرئيسية التي بنت عليها المؤسسة المعنية أهدافها ، لذلك فأن الخطاب وطبيعة الهيمنة فيه يعود الى بناء صورة قائمة على مرجعيات يعتقد أنها صحيحة إذا طبقت بشكل معين في ظروف محددة ، تحاول المؤسسات القائمة عليها على هندسة البناء الفكري لصالحها ، حتى وان كانت تعمل على تزييف الحقائق والوقائع على الأرض، بأخرى مفبركة ،أو مغايرة للحقائق المخفية.
إنَّ ممارسة الهيمنة تعود الى المنظومة الكامنة وراء الممارسة ذاته ، لذلك فأن مفهوم الهيمنة يأتي من خلال التأثير والإخضاع الواعي من قبل المؤسسة ذاتها التي تمارسها على تغيير ملامح الهوية ، وفي المقابل الاستقبال المموه الذي جعلته المؤسسات منهجاً، فالتمويه والتأثير والأساليب المصاحبة لهما من امتناع بأفعال الشر المقابلة ،أو الأفعال غير المتحضرة التي يقوم بها الآخر الموصوف في السير التاريخية ، أنتج ردود لدى المتلقي الجمعي قائمة على التخويف والترهيب ، بأن الأمر المغاير لا ينتهي لهذه الصور الحضارية الخاصة بالهوية والقيم العليا التي تدعيها الحضارة صاحبة التفوق ، لذلك فهي كمؤسسة ضخمة تمارس التخويف والترهيب من الآخر تجاه جمهورها ، الذي هو جزء من منظومتها والمقتنع بأساليبها والمحقق لأهدافها في مختلف المجالات لذلك فأن الايطالي (أنطونيو غرامشي)(1891-1937) ، يرى بأن الهيمنة هي ممارسة وتكريس لأفعال المؤسسات السلطوية وطبقاتها المسيطرة على المجتمع ، أي ان الهيمنة تمارس “تأثيرها على الجماهير عبر الاستعمال الرهيف و اللاواعي ، ايضاً، لعملية الإقناع . ويلعب فرض نمط من اللغة ، وانجاز الكتابة الأدبية والتاريخية عبرها ، دوراً هاماً في إنشاء أنظمة ومؤسسات تكرسُ أيديولوجيا الطبقة المسيطرة وترسيخها. يضطلع الأدب والتاريخ البريطانيان ، مثلا، وبالقدر ذاته اللغة الانجليزية ، كحامل للثقافة الانجليزية ، بمهمة الأفكار التي تساهم في سيطرة طبقة على أخرى عبر وسائط الهيمنة”(6). ان هذه الحقيقة جعلت من الهيمنة بوصفها مفهوم ثقافي يأخذ عمقاً أبعد من نقط إلغاء ثقافة الآخر وهويته، أو دمجها في ثقافة المرجع الثقافي العالمي (الغربي)، بل أن العملية تأخذ طابع أبعد مكمل لإلغاء الهوية الثقافية المحلية ، إنَّ عملية صياغة شكل وطبيعة ثقافة الآخر الجديدة قائمة أساساً على نسف كل نتاجه الثقافي والفكري الذي لا يتطابق حسب فهمهم مع المرجع الثقافي الغربي ، لذلك نرى بأن صورة العربي المسلم تأخذ ملامح أخرى في هذه الثقافة العالمية ، وعندما يذكر المسلم ذات الملامح العربية والشرقية ، تأتي منهم جاهزة ومعدة سلفاً تتطابق مع هويته كونه متخلف وبعيد عن الثقافة كون ثقافته المحلية قائمة على القتل والإرهاب وكون هذه الثقافة هي متجذرة وتعود الى طبيعته وقيمة أخلاقه ومنظومته الفكرية ، ومن ثم أصبح هذا الخطاب وصورته العالقة في ذهن الجمهور الغربي ، الذي هو صناعة المؤسسات المهيمنة بامتياز ، ملئ بهذه الأوصاف الدونية عن الهوية المحلية للفرد العربي الإسلامي مقابل الصفات العليا صاحبة الحضارة للمواطن الغربي ، ومن هنا يجب على المواطن الغربي التسليم لهذه الأوصاف واعتناقها والاعتقاد بها ، وهي لم تأتي مباشرة ، أو تصنع في القرن الحالي ، بل هي نتيجة لما حفل به العقل الغربي وفكره المتعالي ضد الآخر العربي الشرقي المسلم . ومن هنا إذا أردنا ان نتأكد نحن العرب كمسلمين وشرقيين , نقرأ ما كتب عنا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وإذا أردنا أن نعرف مدى تطبيق الثقافة الغربية علينا كمرجع لتقليدها فلندقق في عدة جوانب ، منها : ان ما يُدرس في مدارسنا من لغات أوربية وغربية ليست فيها قصصنا وتراثنا وأخلاقنا وقيمنا ، بل ما يوجد هو القيم الغربية والأخلاق الغربية والعادات والتقاليد الغربية ، حتى ان الدارس العربي للغات الأوربية والأمريكية ، يلاحظ ان التغيير يشمل ملبسه ومأكله ، وكلما نذكر أمامه الثقافة العربية يستهجنها ويستشهد دائماً بالثقافة الغربية . ومن جانب أخر إذا أردنا ان نختبر صورة العربي في الثقافة الغربية ما علينا الا ان نقرأ مسرحية (عطيل) لشكسبير ونشاهد التمييز الذي يقع بحق (عطيل) الشرقي صاحب البشرة السمراء عن ثقافة المحيط الأوربي ، وكيف ان غيرته ، التي تُعد عيباً في الغرب قد قضت عليه ، وكيف ان عقله مغيب وهو قاتل البراءة الغربية المتمثلة بـ(دزدمونة) . كذلك إذا أردنا ان نرى ونتصور شكل البطل الغربي السوبرمان والمخلص نقرأ مسرحية (العاصفة) لشكسبير ايضاً ، أو رواية (روبنسون كروزو) للكاتب (دانيال ديفو) وهذه الإعمال وخصوصاً لشكسبير أصبحت من أوليات الدرس في مدارسنا وجامعاتنا وذلك لتأكيد مفهوم التفوق الغربي حتى في داخل المناهج الدراسية وتثبت صورة التفوق في عقول وأذهان أبناءنا والأجيال القادمة كما رُسخت هذه المعلومات فينا وفي من كانوا قبلنا ، لماذا لم تتناول المدارس وغيرها قصص من تاريخنا العربي في دراسة الأدب الانجليزي؟ ولماذا لم تدرس القيم السليمة التي يحملها المسلم العربي في المناهج الدراسية الغربية ؟ أم نحن يجب أن ننفذ ما يُطلب منا ويساق لنا ثقافياً وحضارياً دون ان نبحث عما في داخله ، وما ورائه من مقاصد ، فهل أدبنا قاصر ؟ أم غير جيد؟.
رابعاً : الفكر الحسيني بوصفه الفعل الدالة على المقاومة والتأصيل والثبات
إنَّ المتتبع للمسألة الحسينية وما فيها من مساهمات عديدة أصبحت هي المسار الحقيقي الداعي للمواصلة من أجل تثبيت كل ما له قيمة إنسانية في هذه الحياة ، ونلاحظ من خلال التكرار المستمر في ذكر القضية الحسينية وأهدافها التي اصبحت خارج أطر المحلية واتجهت نحو العالمية في تأكيد مبادئها ، أبرزت لنا الآتي على مستوى فعلي المقاومة والتأصيل لأجل هوية محلية راكز وثابتة في هذا الظرف العصيب الذي يمر على بلداننا ، لذا فإن هذا الفكر الحسيني أنتج لنا نقاط مهمة في فعلي المقاومة والتأصيل ، وهي كالآتي:
1. تعد المسألة الحسينية لما لها من تأثير في المجال الاجتماعي ، والقادرة على إخراج الملايين من الناس في العراق وغير العراق من أجل تكرار العهد الثابت للمنحر الشريف في كربلاء ما هي إلا دعوة صريحة لرفض كل ملامح التغيير للهوية الأصيل في العراق وغير العراق ، هذه الهوية القائمة على المبادئ الحسينية من حيث الثبات على العقيدة وإبرازها من خلال الهوية المتشكّلة والمتكّونة في نفوس الأفراد والجماعة المنتمية لهذه القضية الحسينية .
2. أعطت المسألة الحسينية دروس في الوعي من أجل الثبات على الهوية وخاصة ما يرتبط منها بالملامح النبيلة لهذه القضية في كونها قد جسدت الفعل الحقيقي للإسلام الصحيح وما يتضمنه من قيم ومبادئ داعمة لهذه الهوية ، ومن يسعى في هذا الطريق فسيحقق ما يصبوا إليه من خلال الثبات على هذه الهوية وتمظهراتها في الفعل الإنساني في الواقع المحلي .
3. إنَّ المعطى المهمة في المسألة الحسينية هو ما يشير إلى عنصر المقاومة لكل الأفعال الدخيلة التي تحاول أن تغير موازين المجتمع من خلال إدخال بعض المظاهر غير السليمة على هذا المجتمع ومنها ما يرتبط بقضايا المثلية والجندر والحركات النسوية الداعية إلى محاربة مركزية العائلة وغيرها من الأهداف غير السليمة التي يحاول من خلالها الغرب هدم الهوية المحلية ، لكن فعل المقاومة لهذه الأفعال يتضح أكثر من خلال الممارسة الحسينية التي تعاد كل عام بنفس القوة والاصرار على نبذ هذه الأفعال غير السليمة والخطرة على المجتمع وهويته المحلية .
4. إنَّ المسألة الحسينية تعد منبراً مهمة للدعوة لأفعال المقاومة ضد أي انحراف مجتمعي داخلي ، أو ضد أي تدخل في إيجاد انحراف خارجي ، فهذه القضية تعد من المنابر المهمة للمدافعين عن القيم والمبادئ والركائز الخاصة بالهوية المحلية سواء أكانت هذه الركائز مادية ، أو معنوية ، من أجل المحافظة عليها وتدعيمها بشكل مستمر من خلال التذكير بالقيم الحسينية والقضية الخاصة بواقعة الطف سنوياً من خلال الاشتراك المليوني في إحياء هذه الواقعة وإحياء مبادئها وقيمها ، التي هي قيم الإنسان السليم .
الهوامش
1. محمد عابد الجابري: الموسوعة الفلسفيْة العربية م1 (الفارابي – التعليقات)، بيروت: مركز الانماء العربي، 1986، ص 21.
2. محمد سبلا ، نوح الهرمزي: موسوعة المفاهيم الاساسية فيْ العلوم الانسانية والفلسفيْة، الرباط: المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الانسانية، 2017، ص 538.
3. ديديه جوليا: معجم الفلاسفة والمصطلحات الفلسفيْة، بيروت: دار المؤلف للنشر والطباعة والتوزيع، 2016، ص 274.
4. ينظر: ميمونة مناصرة: هوية المجتمع المحلي فيْ مواجهة العولمة، الجزائر: أطروحة دكتوراه مقدمة إلى جامعة محمد خيضر، 2012، ص 106.
5. ينظر : المصدر نفسه ، ص 106.
6. واليا، شيلي : ادوارد سعيد وكتابة التاريخ ، ترجمة :احمد خريس ،وناصر أبو الهيجاء ، عمان ، أزمنة للنشر والتوزيع ،2007 ، ص36.